الحرية – مها سلطان:
في 10 أيلول الجاري، دخل «اتفاق 10 آذار» الموقع بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شهره السابع، دون تحقيق أي تقدم على مستوى التنفيذ، بل يمكن القول إن مسار الاتفاق في تراجع مستمر، خصوصاً بعد ما سمي «مؤتمر وحدة المكونات» الذي عقدته قسد في القامشلي/الحسكة، مطلع شهر آب الماضي، والذي ردت عليه الدولة السورية بالانسحاب اجتماعات باريس، حيث كان من المقرر عقد لقاء مع قسد بعد أيام من ذلك المؤتمر، معتبرة أنه انتهاك لاتفاق 10 آذار من جهة، عدا عن أن المسألة مع قسد هي مسألة داخلية/وطنية تجب مناقشتها بين السوريين أنفسهم وداخل البلاد وليس خارجها، من جهة أخرى.
عملياً لا يغادر مسار المفاوضات مع قسد المشهد السياسي والميداني، خصوصاً مع تعمُّد قسد ربطه بمسارات أخرى تُعقد الحل بدلاً من تيسيره.. وأكثر من ذلك تأخذه باتجاهات لا وطنية، نحو تكريس خيانة سوريا والسوريين عبر التحريض والفتنة ودعم دعاة الانفصال الذين يقدمون أنفسهم متحدثين باسم المكونات السورية، وعلى رأس هؤلاء ميليشيات الشيخ حكمت الهجري في السويداء والذي كان حاضراً في اجتماع وحدة المكونات، آنف الذكر.
أيضاً.. مع التصعيد الميداني الذي تعتمده قسد، خصوصاً في ريف حلب الشرقي، ضد مواقع الجيش السوري، في إطار ما يسمى تحسين شروط التفاوض أو فرض وقائع جديدة ضاغطة على الأرض. هذا التصعيد يكاد يغلق جميع الاحتمالات باتجاه استئناف التفاوض، رغم ما يتم تداوله عن جهود في سبيل استئنافها، حيث عرضت فرنسا اقتراحاً حول أماكن جديدة لاستئناف التفاوض، في الأردن مثلاً أو السعودية، ولكن- كما يبدو- فإن المقترح لم يحظ بقبول الدولة السورية التي تتمسك بمبدأ أن المسألة سورية وطنية يجب حلها وتسويتها داخل البلاد وليس خارجها.
وفق ذلك لا يمكن المجادلة بحق الدولة السورية، السيادي والأمني، في مبدأ الحل مع قسد. ثم إذا كانت النيات صادقة والتوجه جدياً باتجاه الحل، فما الذي يُضير قسد إذا كانت الاجتماعات في دمشق وليس في باريس؟.. دمشق أبوابها مفتوحة لقسد، وهناك اجتماعات ولقاءات عدة تتم في دمشق، آخرها كان قبل أيام قليلة. هذا يعني أن لا حجة لدى قسد لرفض أن تكون الاجتماعات في دمشق، وأنها إذ تضع مكان اللقاء حجر عثرة لاستئناف التفاوض فهذا يعني أنها لا تريد التفاوض وإنما المماطلة وكسب الوقت لتكريس مبدأ الانفصال الذي تعمل عليه.
ولا تكتفي قسد بالمماطلة والعرقلة بذريعة مكان اللقاء، بل «تطلب توسيع مروحة الدول الضامنة لأي اتفاق مستقبلي» وفق ما يتم تداوله إعلامياً نقلاً عن مصادر مطلعة تقول إنه لا بوادر لاستئناف المفاوضات قريباً، وأن ما يجري حالياً هو «لقاءات مستمرة في سياق منع التصعيد والحفاظ على التواصل» برعاية أمريكية- فرنسية.
ربما يجب الاستمرار في التذكير أن المكون الكردي، ليس حكراً على قسد فقط، بل هناك تيارات وفصائل لها كلمتها ودورها، وسبق أن سجلت الأشهر الماضية خلافات مستمرة بينها، خصوصاً بعد توقيع اتفاق 10 آذار الماضي، ولأجل توحيد الموقف (الصف الكردي) تم عقد مؤتمر في القامشلي أواخر نيسان الماضي، خرج بتشكيل وفد كردي مشترك، وبيان ختامي دعا إلى «تشكيل وحدة سياسية متكاملة تضم الأراضي الكردية في إطار سوريا اتحادية» وتشكيل «وفد مشترك على ضوء هذه الرؤية للتفاوض مع دمشق تحت سقفها».
ورغم أن الدولة تجاهلت هذه الصياغة المسماة «أراضي كردية» تسهيلاً للحوار والوصول إلى تسوية، إلا أن قسد واصلت بتعنت مسار المماطلة والعرقلة سواء بالتصعيد الميداني أو بعقد المؤتمرات الانفصالية، وعليه لم يتم عقد أي لقاء بين الدولة السورية وذلك الوفد المشترك حتى الآن.
بالمقابل، تستمر الدولة السورية في دعوة قسد إلى التطبيق الجاد لبنود اتفاق 10 آذار، بحيث يتم إنجازه قبل نهاية العام الحالي، فيما تصر قسد على وصفة «لا مركزية» انفصالية تحتفظ فيها بمؤسسات /عسكرية ومدنية/ منفصلة عن سلطة الدولة.
وفق ما سبق، يبدو أن المقترح الفرنسي، آنف الذكر، لن يجد طريقه للتطبيق، لأنه يتعاكس مع مبدأ الدولة الحامية الضامنة، ومع احترام السيادة والقرار الوطني. وهذا المبدأ واحد جامع لكل السوريين الذي يقفون خلف دولتهم ويؤكدون الثقة بها وبقيادتها لتبقى سوريا واحدة موحدة، آمنة ومستقرة.
اتفاق 10 آذار دخل شهراً سابعاً وسط مماطلة «قسد»..هل تستمر«عقدة المكان» في تجميد مسار التفاوض؟

Leave a Comment
Leave a Comment