الحرية – متابعة مها سلطان
قراءة متفائلة ومتحفظة في آن واحد، قدمها المحلل الأميركي البارز توماس فريدمان، للجهود التي يقودها دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة.
وقال فريدمان في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز: إن نجاح المرحلة الأولى من خطة ترامب التي تتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين يستحق إشادة عالمية، وذلك لـ3 أسباب رئيسية قد تؤثر في مستقبل الشرق الأوسط والولايات المتحدة على حد سواء.
السبب الأول، برأي فريدمان، أن الوصول إلى هذه النقطة تطلّب جهداً دبلوماسياً استثنائياً في منطقة شديدة التعقيد، فقد كان على ترامب وفريقه كسب ثقة أطراف عدة في آن واحد وهي إسرائيل وحركة حماس وقطر وتركيا والسعودية ومصر والإمارات والسلطة الفلسطينية.
بداية فقط
والسبب الثاني – كما يوضح فريدمان- هو أن هذه الخطوة ليست سوى البداية ضمن خطة سلام متعددة المراحل سيكون تنفيذها الفعلي أصعب بكثير، لأن المطلوب من إدارة ترامب الإشراف على نزع سلاح حماس، وتشكيل قوة أمنية متعددة الجنسيات لملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب إسرائيل، وإعادة إعمار غزة المدمرة بالكامل، وتأسيس حكومة انتقالية تدير القطاع.
ويرى فريدمان أن الأمر يتطلب من ترامب انخراطاً دائماً طوال فترة رئاسته كي تكتمل الخطة بنجاح، محذراً ترامب من المبالغة عندما يعتبر أنه «أنهى الحرب في غزة وحقق سلاماً أبدياً» لأن ذلك قد ينم عن سوء تقدير لحجم التحديات المقبلة.
لكن فريدمان يعود فيؤكد أن نجاح المشروع حتى نهايته يمكن أن يفتح الباب من جديد أمام حل الدولتين، ضمن صيغة جديدة تجمع بين الرعاية الفلسطينية والعربية والدولية لمستقبل غزة، وربما تمتد لاحقاً إلى الضفة الغربية.
ورغم أن فريدمان درج على توجيه انتقادات لاذعة لترامب في مقالاته السابقة فإنه هذه المرة أشاد بأسلوبه في التفاوض، والذي وصفه بأنه «فريد من نوعه».
سلام أميركي- أميركي
أما السبب الثالث الذي يجعل فريدمان يتمنى أن يُنسب الفضل إلى ترامب في هندسة خطة السلام هذه فلا علاقة له – كما يقول- بالشرق الأوسط، بل ينبع من أمل «ربما يكون واهياً» أن يُلهمه ذلك لصنع السلام في أميركا أيضاً.
وهنا انتقد فريدمان ميل ترامب إلى الانقسام والتحريض ضد خصومه، مقترحاً أن يدعو قادة الحزب الديمقراطي إلى لقاء مصالحة في منتجع كامب ديفيد لتوقيع «معاهدة سلام أميركية أميركية».
ويعتقد فريدمان أن خطة ترامب تمثل نموذجاً جديداً لمعالجة الصراع، استناداً إلى حقيقة أن الإسرائيليين والفلسطينيين فقدوا القدرة على التوصل إلى سلام بأنفسهم بعد انهيار الثقة بينهم، وأن تحقيق الاستقرار سيتطلب ضمانات دائمة من الولايات المتحدة والدول العربية.
ويحلل فريدمان أسلوب ترامب غير التقليدي في التفاوض القائم على البراغماتية الخالصة واللامبالاة بالقيم الأخلاقية، فهو في نظره لا يهتم بتصنيف الأنظمة أو محاسبتها على سجلاتها الحقوقية، بل يركز فقط على النتائج.
أما من حيث النتائج فيرى فريدمان أن كلا من حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – سيقدمان الاتفاق على أنه إنجاز لهما رغم أن كليهما لم يحقق ما أراد.
نتنياهو خسر
وفي نظر فريدمان فإن نتنياهو خسر رهانه بعدما اعتمد كلياً على ترامب وفقد جميع حلفائه الآخرين.
وعندما أعاد ترامب -تحت ضغط العرب والأوروبيين- توجيه خطته نحو مسار سلام حقيقي يمنع ضم غزة أو الضفة لم يعد أمام نتنياهو أي وسيلة ضغط.
ويستشهد فريدمان بالخبير الإسرائيلي جدعون جرنستاين الذي وصف خطة ترامب المكونة من 20 نقطة بأنها «فرصة محورية لإعادة إحياء المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدبلوماسية منذ اتفاقات كامب ديفيد».
فهي -حسب قوله- تعيد التأكيد على عدم شرعية الضم الأحادي، وتمنح الفلسطينيين أفقاً سياسياً نحو تقرير المصير والانفصال السياسي عن إسرائيل.