الحرية – نهى علي:
دشّنت سورية عملياً أمس أفقاً جديداً في التعاطي مع العالم الخارجي بعد طول حصار وانكفاء، معلنةً تنفيذ أول عملية تحويل مصرفي دولي مباشر عبر نظام سويفت، ولفت الدكتور عبد القادر حصرية حاكم مصرف سوريا المركزي إلى أن عملية التحويل الأولى كانت معاملة تجارية من بنك سوري إلى بنك إيطالي، والباب مفتوح أمام المزيد.
خطوة مفصلية
ورأى الخبير الاقتصادي والمصرفي إبراهيم نافع قوشجي أن عودة سوريا إلى نظام سويفت، خطوة مفصلية في مسار التعافي الاقتصادي.
وأضاف في تصريح لصحيفتنا “الحرية” أن هذه الخطوة لا تعني فقط عودة سوريا إلى المنظومة المالية العالمية، بل تشير ضمناً إلى رفع فعلي للعقوبات المالية الغربية التي كانت تعوق هذا النوع من المعاملات.
حصاد الزمن والمال
ففي الشق المتعلق بدلالات إعادة تفعيل نظام سويفت، يلفت الخبير قوشجي إلى أن نظام سويفت (SWIFT) هو العمود الفقري للتعاملات المالية الدولية، وعودة سوريا إليه تعني إعادة ربط المصارف السورية بالنظام المالي العالمي، ما يتيح لها إجراء التحويلات و الاستلامات بشكل مباشر من دون الحاجة إلى وسطاء أو شبكات غير رسمية.. وهذا سيؤدي إلى انخفاض تكاليف التجارة الخارجية، إذ كانت الحوالات تمر عبر قنوات غير رسمية مكلفة و معرضة للمخاطر، وهذا يعني تعزيز الشفافية ومكافحة غسل الأموال، من خلال تتبع الحوالات عبر قنوات رسمية.
تحديات الإنجاز
إلّا أن هناك تحدياً كبيراً أمام المصارف السورية رغم هذا الإنجاز، من وجهة نظر د. قوشجي.. إذ ستواجه المصارف السورية تحدياً جوهرياً هو غياب الأرصدة الكافية بالعملات الأجنبية (الدولار واليورو) لتسديد الحوالات، وشح السيولة بالليرة السورية لتصريفها داخلياً، و هذا التحدي بسبب ضعف الاحتياطي النقدي لدى المصارف بسبب تبادلها خارجه بسبب العقوبات و الانكماش الاقتصادي.
د. قوشجي: تعزيز الشفافية ومكافحة غسيل الأموال وتتبع الحوالات عبر القنوات الرسمية
والعامل الأهم برأيه يكمن في نقص السيولة والاحتياطي هو تآكل الثقة بالقطاع المصرفي، ما أدى إلى تراجع الودائع وتحويلها إلى عملات صعبة خارج النظام الرسمي.
اختبار ليس سهلاً
وينظر الخبير الاقتصادي والمصرفي إلى الخطوة على أنها اختبار حقيقي لقدرة الاقتصاد السوري على توظيف رؤوس الأموال مع فتح بوابة سويفت، إذ يُنتظر أن تتدفق رؤوس أموال أجنبية، سواء من مستثمرين سوريين في الخارج أو من صناديق استثمارية دولية.
ويرى أن نجاح هذا التدفق يتوقف على قدرة المصارف على تقديم تسهيلات ائتمانية، سواء من خلال إعادة رسملة محلية أو عبر شراكات مع مصارف خارجية.
ثم تهيئة بيئة استثمارية آمنة، تشمل استقراراً قانونيًا، وضمانات قضائية، وتسهيلات إدارية.
زيادة الطلب على الدولار
يتوقف د. قوشجي قليلًا عند العلاقة بين النشاط الاقتصادي وسعر صرف الليرة.. ويرى أنه من الطبيعي أن يؤدي انتعاش القطاعين التجاري والصناعي إلى زيادة الطلب على الدولار، خصوصاً لتمويل استيراد (آلات ومعدات إنتاج – برامج وتقنيات تشغيل مواد أولية للصناعات الغذائية والكيميائية والنسيجية). وهذا الطلب سيؤدي إلى ضغط تصاعدي على سعر الصرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، ما لم يقابله تدفق كافٍ من العملات الأجنبية عبر التصدير أو الاستثمار أو السياحة.
مراقبة دقيقة
ويتساءل الخبير المصرفي ما الذي يجب مراقبته في المرحلة المقبلة على قاعدة “إنجاز” معاودة التشبيك مع سويفت؟
د. قوشجي: تواجه المصارف السورية تحدي غياب الأرصدة الكافية بالعملات الأجنبية لتسديد الحوالات.. وشح السيولة بالليرة لتصريفها داخلياً
ويرى ضرورة مراقبة تطور العلاقات المصرفية مع البنوك الأوروبية والأمريكية، خصوصاً بعد إعلان نية سوريا إجراء حوالات مع بنوك أمريكية خلال أسابيع.
ثم مدى استجابة السوق السوداء، وهل ستتراجع أمام عودة القنوات الرسمية.
إضافة إلى قدرة الحكومة على ضبط سعر الصرف من دون اللجوء إلى أدوات تقليدية تؤثر في النشاط الاقتصادي.
تحوّل إستراتيجي
على مستوى اقتصادي أشمل و أوسع طيفاً.. يرى د. قوشجي أن عودة سوريا إلى نظام سويفت ليست مجرد إجراء تقني، بل مؤشر على تحول إستراتيجي في المشهد الاقتصادي والسياسي.. لكن هذه العودة – برأيه – ستبقى رمزية ما لم تُترجم إلى سيولة حقيقية، واستثمارات منتجة، وإصلاحات مصرفية عميقة.. ويعبر عن أمله بأن تكون هذه الحوالة الأولى بداية لاقتصاد سوري جديد؟ أم مجرد ومضة في نفق طويل.
د. قوشجي: اختبار لقدرة المصارف السورية كما البيئة الاستثمارية
خلل مزمن
من جانبه الخبير المالي والمصرفي أنس الفيومي، يعود في إجابته عن سؤال “الحرية” حول قراءته لأهمية العودة العملية لسوريا إلى نظام سويفت، يعود إلى عمق زمني أبعد قليلًا من الحالة الراهنة، ويفيد بأن العقوبات التي كانت على سوريا لم تبدأ منذ عام 2011 وما بعدها ولاسيما قانون قيصر، فقد سبق وجود عقوبات عديدة منها ما يتعلق بالتكنولوجيا المتطورة والتقنيات والبرمجيات المصرفية، حيث عانت المصارف السورية وخاصة المصارف العامة من هذا الموضوع لذلك اضطرت إلى اللجوء لوسطاء لتحديث الأنظمة المصرفية لديها وللدلالة على حجم هذه المشكلة لم تدخل تقنية الصرافات الآلية وأجهزة pos إلا بعد عام 2003 حيث كانت المصارف قد سبقتنا بسنوات حتى على المستوى العربي، لذلك بالكاد استطاعت المصارف مواكبة بعض التقنيات البرمجية وعن طريق وسطاء وشركات عربية.
د. قوشجي: العودة إلى سويفت ستبقى رمزية ما لم تُترجم إلى سيولة حقيقية واستثمارات منتجة وإصلاحات مصرفية عميقة
تحت الاختبار
إلّا أنه مع دخول المصارف الخاصة التي لديها شركاء خارجيون استطاعت أن تستقدم تقنيات متطورة نوعاً ما لعملها وفق الظرف الذي كان سائداً قبل عام 2011، ازدادت الهوة و فوارق التقنيات فيما بعد وبالكاد استطاعت المصارف أن تؤدي عملها بقيود صعبة، حتى إن بعض المصارف كاد أن ينهار نظامه المصرفي في عام 2013 نتيجة العبء المتزايد على البرمجيات من دون إمكانية تطويره. لذلك لا يمكن معرفة فوارق جاهزية البنية التقنية لمتطلبات المرحلة القادمة إلا بعد بدء العمل مع ملاحظة أن جاهزية المصرف المركزي أفضل من غيرها للضلوع بهذا العبء الضروري .
ثبات بالحد الأدنى
ويضيف الفيومي: في حديثنا عن المركزي للأمانة بقي المصرف يواكب معايير الامتثال الدولي ويوجه عبر تعاميمه للمصارف العاملة بهذه المعايير من خلال سلطته الرقابية والإشرافية بما فيها مقررات بازل وغيرها، رغم الصعوبات التي كانت تعانيها المصارف وخاصة العامة ضمن الظروف التي مرت في البلاد لتصبح بدلاً من مصارف معنية بعملية تنموية إلى مجرد صناديق سحب وإيداع مع القيود المفروضة فيما بعد على السحب ما زعزع الثقة في التعامل المصرفي لدى الجمهور.
الفيومي: العقوبات المتراكمة أحدثت تأخراً تقنياً في القطاع المصرفي وهوّة كبيرة في الأداء
موثوقية
يوضح الخبير المالي والمصرفي أن التعامل المباشر ضمن نظام السويفت العالمي للمصارف المسجلة لديه يتيح سرعة إجراء التحويلات وموثوقيتها والتقليل من النفقات والمصاريف التي يتكبدها المتعامل عبر وسطاء خارجيين أو بنوك مراسلة، لذلك يعدّ التواصل المباشر للمصارف العاملة في القطر مع السويفت أنه يعطي موثوقية أكبر للمستثمرين الراغبين بالاستفادة من المشاريع المستقبلية في القطر لتحويل أموالهم من وإلى سوريا حسب متطلبات العمل وقوانين الاستثمار المعدلة.
الفيومي: نحن على بوابة سرعة في إجراء التحويلات و وثوقيتها وتقليل النفقات والمصاريف واستقطاب للمستثمرين
يلفت الفيومي إلى أن نظام السويفت الدولي محمي بطبيعته بأعلى درجات الموثوقية ولاعلاقة له بالولاءات للأنظمة السابقة فهو يتعامل مع الواقع الحالي ضمن المتطلبات والشروط الواجب توافرها في عمليات التحويل وهي شروط عامة مطبقة لدى أغلبية دول العالم مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتجارة غير المشروعة.
تريث
ويرى الفيومي أنه من المبكّر اليوم الحديث عن دخول البنوك السورية موضوع التصنيف الدولي في ظل انكفاء المصارف السورية وخاصة بعد مرحلة التحول التي أصابت الأداء المصرفي في سوريا في نهاية ستينيات القرن الماضي عندما تم إلغاء المصارف الخاصة وتحويلها إلى مصارف عامة تقدم خدمات مصرفية متخصصة كالزراعي والصناعي والعقاري و التسليف، حيث إن أداء المصارف العالمية اليوم يتصف بشمولية الأداء ويبدو أن الأمر يحتاج لوقت ليس بالقليل للتخلص من التركة السابقة مع يقيني أن الأمر ليس مستحيلاً ولاسيما في ظل متابعة مصرف سوريا المركزي ومجلس النقد والتسليف لمعايير التدقيق والمتابعة والالتزام.
تفاؤل
بعد ماسبق من إيضاحات يرى الفيومي الخبر الذي زفّه إلينا المركزي بإجراء أول عملية تحويل عبر نظام السويفت بين مصرف سوري ومصرف إيطالي، أنه ينطوي على الكثير من التفاؤل ببدء مرحلة جديدة من العمل المصرفي وخاصة إذا كان هذا التحويل من دون بنك مراسل أو تدخل أي جهة لذلك كنت أتمنى مزيداً من التفصيل في هذا الخبر المهم وخاصة أنه يتعلق بمطلب مهم من مجمل متطلبات أي مستثمر يريد دخول السوق السورية إلّا أن الخبر التالي الذي صرّح به المركزي حول توقعه إتمام أول معاملة مع بنك أميركي في غضون أسابيع وأن هناك دعوة رسمية للبنوك الأميركية لإعادة تأسيس علاقات مصرفية مراسلة مع سورية يؤكدان أننا نسير في الاتجاه الصحيح المتفائل.
الفيومي: من المبكر الحديث عن دخول البنوك السورية قوائم التصنيف
فموضوع التحويلات يعدّ مطلباً أساسياً من مجمل متطلبات المستثمرين الراغبين في دخول السوق السورية، لذلك مع تكاملية بقية المواضيع التي تذلل الصعوبات أمامهم منها على سبيل المثال شفافية الضرائب والرسوم و تسهيلات التعامل مع المستثمرين، تطوير القوانين المتعلقة بعملهم بكل المشاريع الحيوية ولاسيما البنى التحتية المدمرة كل ذلك وغيرها ستسهم بشكل كبير في تدفق أموال خارجية سواء المهاجرة سابقاً بعد 2010 أو أموال مستثمرين عرباً وأجانب.