استقرار سعر الصرف تحد كبير والمعالجة مرهونة بإجراءات المركزي

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:
المراقب لحال أسواقنا المحلية، يرى أنها لم تنعم بالاستقرار السعري، ودائماً وأبداً “المتهم الوحيد الدولار” الذي يهدد سلامة الجميع، متناسين جملة من الأسباب الموضوعية المرافقة له، لا بل أوجدت القاعدة التي وسعت دائرة عدم الاستقرار، وفتح الباب على مصراعيه لحالة من الاستغلال تشهدها جيوب المواطنين على مدار الساعة، الأمر الذي يحتاج الى معالجة فورية، بإجراءات حاسمة، لا بقرارات تحمل الكثير من التأويل، وتفسيرات يجني من خلالها ضعاف النفوس ما يجنوه على حساب الوطن والمواطن .

الدولار متهم أول والقوة الشرائية ثانياً

اليوم استقرار الأسواق مهدد، وسعر صرف الليرة أمام الدولار يشهد تذبذباً، ويثير حالة من القلق بين التجار والصناعيين، والفعاليات الخدمية، والأهم القدرة الشرائية للمواطن، المحرك الأساسي لهذه الفعاليات والحالة السوقية العامة، والتي ترتبط بمجموعة من العوامل.

المطلوب توضيحات تخفف غليان الأسواق وإجراءات تكفل نجاح المواجهة مع المضاربين على الليرة

تراجع في تدفق القطع الأجنبي

وهنا يرى الصناعي “لؤي نحلاوي” في تذبذب سعر صرف الليرة، أمام الدولار إلى عدة عوامل أساسية في مقدمتها: حالة التراجع في تدفق القطع الأجنبي بعد انتهاء الموسم الصيفي، إلى جانب أمر أساسي آخر يتعلق بالمضاربة الواضحة على الليرة، ما يؤكد حالة عدم الاستقرار، ويزيد الواقع سوءاً.
وأوضح نحلاوي أن الموسم الصيفي الماضي شهد توافداً كبيراً من أهل البلد والأجانب والسياح، ما أدى إلى غزارة تدفق النقد والقطع الأجنبي، واليوم هذا التدفق انخفض بصورة ملحوظة، بدليل تراجع حركة المسافرين في المطارات مؤخراً.

تغيير العملة هل ينهي حالة المضاربة..؟

لكن دون أن ننسى ما يحدث من مضاربات كبيرة على الليرة في أسواقنا المحلية، واستخدام لغة التقريش في الحسابات التجارية، حتى في أبسطها..
وهنا يرى” نحلاوي” أن المضاربة على العملة الوطنية، واضحة جداً، وإنهاء هذه الحالة، يمكن من خلال إجراء تغيير العملة الوطنية الذي أعلنته، الحكومة وبداية التنفيذ في شهر كانون الأول القادم، ويأمل ” نحلاوي” أن يكون هذا التاريخ موعداً لنهاية المضاربة على الليرة، أو على الأقل توقفها..!

الحراك الخارجي مهم لكن يحتاج إصلاح داخلي حقيقي لتحريك عجلة الإنتاج وضبط السوق أساس استقرار سعر الصرف

خشية في مكانها

لكن دون أن يعلن “نحلاوي” عما يخشاه من أن تكون الأموال التي اختفت من الأسواق والبنوك في الفترة السابقة، تُستعمل حالياً للمضاربة على الدولار، وتوقع أن تبديل العملة في كانون الأول سيؤدي إلى “نظرة” للمضاربين، والتدقيق بها، ومعالجتها بصورة تتماشى مع ما يحصل من تغييرات، وبالتالي “الليرة” اليوم مقياسها هو العرض والطلب، وأن سعر السوق، أصبح فوق السعر الذي يقره البنك المركزي (11.5)، مرجعاً ذلك إلى المضاربة.

المركزي في مواجهة المضاربين

ولمعالجة هذه الظاهرة بصورة فورية، يحمل ” نحلاوي” مسؤوليتها الى البنك المركزي من خلال تدخله السريع، واتخاذ إجراءات جادة في هذا المجال، وخاصة في ظل معلومات أن الدولار سوف يتم تعويمه على سعر 15 ألف ليرة، وهذه مسألة في غاية الأهمية، وتثير القلق في الأسواق، وعلى المركزي الخروج بتوضيحات، تخفف من غليان الأسواق، إلى جانب إجراءات تكفل نجاح المواجهة مع المضاربين على الليرة، وتوضيح خطة المعالجة أمر ضروري لإراحة الناس والأسواق.

غياب الأثر الإيجابي الفوري للانفتاح الخارجي

وضمن الإطار ذاته يرى لؤي الأشقر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، أن ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية مستمر، وذلك رغم المؤشرات الإيجابية للانفتاح الخارجي والحراك الإقليمي والدولي، الذي حصل خلال الأشهر القليلة الماضية.
محدداً “الأشقر” هذا التراجع في مجموعة من الأسباب، منها على سبيل المثال غياب الآثار الايجابية الفورية للانفتاح على العالم الخارجي، وبالتالي فان معظم الاتفاقيات والمبادرات، لا تُترجم مباشرة إلى تدفق فعلي للعملة الأجنبية، أو استثمارات قصيرة الأجل، وفي هذه الحالة فإن التأثير الاقتصادي الإيجابي يحتاج وقتاً حتى يترجم على أرض الواقع ويلمسه المواطن بصورة مباشرة، و قبل أي قطاع آخر.

غياب الثقة بالسياسات النقدية في ظل تفاوت أسعار الصرف بين السوق الرسمي والموازي.

زيادة الإنتاج مواجهة فعلية لإنهاء المضاربة

والأمر الآخر يتعلق بضعف الإنتاج، وتراجع حجم التصدير “برأي الأشقر” فإن سوريا لا تزال تعتمد على الاستيراد أكثر من التصدير، ما يعني طلباً دائماً على الدولار، دون تدفقات مقابلة من العملة الصعبة، دون تجاهل أمر في غاية الأهمية ساهم في تراجع سعر الصرف، وهو شح التحويلات الرسمية والقطع الأجنبي، ولفت إلى أن قنوات التحويل الآمنة والمباشرة محدودة، ومعظم القطع الأجنبي يُدار في السوق الموازية، إلى جانب حالة التضخم الداخلية مع استمرار طباعة العملة، دون تغطية إنتاجية حقيقية، كل هذه الأسباب وغيرها تشكل عوامل ضاغطة على الليرة وتفقدها حالة التوازن أمام العملات الأخرى، الأمر الذي يزيد من تآكل قيمة الليرة، وفقدان الثقة الشعبية والمصرفية، حيث يميل المواطن والتاجر للاحتفاظ بالدولار، أو الذهب خوفاً من تقلبات الليرة، وهذا ما يحصل بالفعل في الأسواق.
وخلص الأشقر إلى أن الحراك الخارجي مهم، لكنه لا يكفي بدون إصلاح داخلي حقيقي، وتحريك عجلة الإنتاج، وضبط السوق، وتحقيق استقرار نقدي تدريجي مبني على خطوات اقتصادية واضحة.

سؤال جوهري من قلب الحراك ؟

أيضاً لأهل الخبرة رأي فيما يحصل في أسواقنا المحلية، من تذبذب في الأسعار، وعدم استقرار سعر الصرف، وفوضى في المعاملات التجارية وغيرها، فالخبير الاقتصادي “وائل الحسن” يرى أنه في ظل الحراك السياسي والاقتصادي المتسارع الذي تشهده سوريا، يبرز سؤال جوهري حول أسباب استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، رغم الانفتاح المتزايد على الخارج، والمشاركة في مبادرات إقليمية ودولية.

يرى “الحسن ” أن الارتفاع المستمر في سعر الدولار يعود إلى جملة من الأسباب الهيكلية والاقتصادية، أبرزها:
• ضعف الإنتاج المحلي وتراجع الصادرات، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار لتغطية الواردات.
• غياب الثقة بالسياسات النقدية، خاصة في ظل تفاوت أسعار الصرف بين السوق الرسمية والموازية.
• نقص الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى المصرف المركزي، ما يحد من قدرته على التدخل الفعّال في السوق.
• الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والتي تدفع المواطنين إلى تحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية.
• التهريب والتداول غير الرسمي للعملات الأجنبية، ما يخلق سوقاً سوداء نشطة يصعب ضبطها.

تحقيق الاستقرار يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد

وفي الوقت نفسه الخبير” الحسن” انتقل من حالة توصيف المشكلة، إلى الحل المناسب لإنهائها، والذي حددها بمجموعة من الإجراءات في مقدمتها :
• تعزيز الإنتاج المحلي في القطاعات الزراعية والصناعية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
• إصلاح السياسات المالية والنقدية، بما في ذلك توحيد سعر الصرف وتفعيل أدوات الرقابة على السوق.
• تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي عبر توفير بيئة قانونية وآمنة، وتسهيل الإجراءات.
• دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي.
• تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد لضمان توجيه الموارد بشكل فعّال.

مشاركة الرياض خطوة إيجابية

كما يرى ” الحسن” أن مشاركة سوريا في مبادرة الاستثمار التي أقيمت في الرياض تمثل خطوة إيجابية على طريق إعادة الاندماج الإقليمي، وقد تحمل انعكاسات واعدة على الاقتصاد المحلي، منها:
• فتح قنوات تمويل جديدة ومشاريع مشتركة يمكن أن تعزز البنية التحتية وتخلق فرص عمل.
• تحسين صورة سوريا الاستثمارية أمام المستثمرين العرب والدوليين، خاصة إذا اقترنت بإصلاحات داخلية.
• تشجيع عودة رؤوس الأموال السورية المغتربة، ما يساهم في دعم الاحتياطي النقدي وتعزيز الثقة بالسوق.
• نقل الخبرات والتقنيات الحديثة من خلال الشراكات الإقليمية، ما يرفع من كفاءة القطاعات الإنتاجية.
لكن يبقى التأثير الفعلي مرهوناً بمدى قدرة الحكومة على استثمار هذه الفرص بشكل عملي، وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة وآمنة للمستثمرين، وبالتالي السوريون جميعاً ينتظرون ترجمة فعلية على أرض الواقع لهذه المعطيات، لحدوث نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية والمعيشية على السواء.
في الختام، فإن الانفتاح الخارجي لا يكفي وحده لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل يجب أن يترافق مع إصلاحات داخلية جذرية تعيد الثقة بالعملة الوطنية وتدفع عجلة الإنتاج والاستثمار، نحو مراحل متقدمة من العمل.

Leave a Comment
آخر الأخبار