اكتئاب الأعياد: رأس السنة عندما يتحول الاحتفال إلى ترف ورفاهية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

تتجه أنظار العالم نحو الاحتفالات الصاخبة والأضواء البراقة في الوقت الذي يبقى فيه الكثيرون بين أربعة جدران, حيث تتشابك خيوط الأزمة الاقتصادية الخانقة مع مرارة الفقدان المتراكم، ليتحول هذا الترقب من مناسبة جميلة إلى أوجاع, هذه الظاهرة النفسية والاجتماعية تعرف بـ “اكتئاب الأعياد”، والتي تتجاوز مجرد الحزن العابر، تضرب عمق النسيج الاجتماعي وتكشف عن هشاشة الوضع النفسي للمواطن السوري الذي يجد نفسه عاجزاً عن مجاراة بهجة المناسبة بشتى أشكالها.

الفقدان والعجز

بينت الخبيرة الاجتماعية آية رضا من خلال حوار خاص مع صحيفة “الحرية” أن اكتئاب الأعياد يعد ظاهرة عالمية حقيقةً، لكنها في الواقع السوري تأخذ أبعاداً كارثية، فبدلاً من الشعور بالبهجة، يواجه الكثيرون موجة من الحزن العميق، تتغذى بشكل أساسي من “الفقدان”، هذا الفقدان لا يقتصر على الأحبة الذين غيّبتهم الحرب أو الهجرة, وأن التناقض الصارخ بين الذاكرة الجمعية للأعياد السابقة المليئة بالدفء والوفرة، والواقع الحالي المليء بالضغوط، يؤدي إلى شعور حاد بـ “العجز”, هذا العجز هو المحرك الرئيسي للاضطرابات النفسية.
لافتة إلى أن الأزمة الاقتصادية تعد السبب المباشر لذلك الاكتئاب، وأن المناسبات السعيدة، كالأعياد، تعمل كـ محرك لهذه المشاعر، حيث تفرض على الفرد مواجهة واقعه المؤلم في وقت يُفترض فيه أن يكون سعيداً.

صمام أمان

كما أن الفقدان والهجرة أديا إلى تفكك الروابط العائلية التقليدية التي كانت تشكل صمام أمان في الأعياد، حسب منظور رضا, فالكثير من العائلات باتت مشتتة بين المنافي والوطن، ما يجعل التجمعات العائلية ناقصة ومؤلمة، حيث يغلب الحنين إلى الغائبين على فرحة الحاضرين.
ولتقديم تشخيص دقيق وحلول عملية, أشارت رضا إلى أن السبب الجذري لاكتئاب الأعياد في سوريا هو تراكم الصدمات وغياب الأفق, وتقول: الأعياد هي محطات تقييم غير معلنة, فعندما يجد الفرد نفسه في نهاية عام آخر دون أي تحسن ملموس في حياته، بل ربما تدهور، فإن هذا يولد إحباطاً هائلاً, وأن الفقدان الاقتصادي والنفسي يندمجان ليشكلا حالة من اليأس المعمم.

حلول إسعافية

ومن الحلول التي قدمتها رضا: أنه يجب على الأفراد والمجتمع إعادة تعريف معنى العيد، والتركيز على القيمة المعنوية بدلاً من المادية, الاحتفال يجب ألا يكون مكلفاً، بل يمكن أن يكون لقاءً بسيطاً يعتمد على الدعم العاطفي المتبادل, محاولة توجيه التفكير نحو النعم المتبقية (الصحة، وجود بعض الأحباء), كآلية دفاع نفسية ضد مشاعر الفقدان, التشجيع على الاستفادة من خدمات الدعم النفسي المتوفرة، حتى لو كانت محدودة، والاعتراف بأن الاكتئاب في هذه الظروف هو رد فعل طبيعي وليس ضعفاً.
وتؤكد رضا على أنه لا يمكن فصل الصحة النفسية عن الجيب, عندما يعجز المواطن عن تأمين التدفئة أو الطعام، يصبح الحديث عن بهجة العيد نوعاً من الترف المؤلم.
الحلول النفسية وحدها لا تكفي؛ يجب أن تكون هناك حلول اجتماعية واقتصادية تخفف من الضغط, تفعيل دور الجمعيات الأهلية والمبادرات المحلية لتقديم دعم عيني (سلال غذائية، وقود تدفئة)، وتوجيهها نحو الأسر الأكثر عوزاً لتمكينها من إقامة الحد الأدنى من طقوس العيد.

إلغاء ثقافة المظاهر

وهنا شددت رضا على دور الإعلام والمؤسسات الاجتماعية للعمل على تخفيف الضغط الاجتماعي المرتبط بالبذخ والمظاهر، والترويج لثقافة الاحتفال البسيط والتضامن, و تنظيم فعاليات مجتمعية مجانية أو منخفضة التكلفة (مثل تجمعات في الحدائق العامة أو المراكز الثقافية), و كسر العزلة وتوفير مساحة للبهجة المشتركة دون تكاليف باهظة.
وختمت رضا: بـأن الأعياد في سوريا هو جرس إنذار يكشف عن عمق الأزمة الإنسانية, لا يمكن معالجة هذه الظاهرة بجرعات من التفاؤل المصطنع، بل تتطلب مقاربة واقعية تبدأ بالاعتراف بمرارة الفقدان وعجز الاقتصاد.حتفالات , يكون “احتفالاً لناس وناس” حسب تعبيره, فمع تدهور قيمة العملة وارتفاع الأسعار الفاحش، تحولت أبسط متطلبات الحياة وأبسطها الاحتفال, من طعام وزينة وهدايا، إلى رفاهية لا يقدر عليها سوى شريحة ضيقة من المجتمع.

تجاهل المناسبات

هذا التفاوت الاقتصادي يخلق جرحاً اجتماعياً عميقاً، وفق رأي رضا، حيث تقتصر الاحتفالات الصاخبة وحفلات رأس السنة الباهظة على فئة قليلة، بينما يجد غالبية السوريين أنفسهم مضطرين لـ “تجاهل” المناسبة، وهنا بينت رضا أن هذا التجاهل القسري ليس اختياراً، بل هو نتيجة مباشرة لـ “القدرة الشرائية المنهارة”، ما يولد شعوراً بالإقصاء والفشل لدى رب الأسرة الذي يعجز عن تأمين “بهجة العيد” لأطفاله, وأن الاحتفال بغض النظر عن نوعه، يعزز الشعور بالظلم الاجتماعي والاقتصادي لدى الكثيرين ويزيد من حدة الاكتئاب.

مقارنات قياسية

ضغوط المظاهر والعزلة القسرية تُضاف الضغوط الاجتماعية إلى الأعباء النفسية والاقتصادية ، ففي زمن وسائل التواصل الاجتماعي، يجد الأفراد أنفسهم عرضة لمقارنات قاسية بين واقعهم المتردي والمظاهر الاحتفالية المبالغ فيها التي ينشرها الآخرون، هذه المقارنات تزيد من الشعور بالدونية وتدفع الكثيرين إلى “العزلة القسرية لتجنب اللقاءات الاجتماعية التي قد تتطلب نفقات أو تفتح باباً للمقارنة وفق رأي رضا.

Leave a Comment
آخر الأخبار