الحرية- إخلاص علي:
هناك مَن يتساءل لماذا أوقفت الحكومة تسديد الأقساط الشهرية غير الشخصية المستحقة للمصارف؟ وآخرون يقولون لو أن الفعاليات التجارية والاقتصادية تقوم بتسديد أقساط القروض التي حصلت عليها فذلك سيوفر بعض السيولة للمصارف باعتبار أنّ الكثير من الأشخاص منذ فترة طويلة يحتفظون بأموالهم في المنازل نتيجة قرارات وقيود السحب والإيداع والمنصة.
حد التجلّط
كلُّ هذه الاستفسارات والتساؤلات توجهنا بها إلى الخبير المصرفي أنس الفيومي الذي أوضح بدايةً، أنّ الشأن المصرفي له خصوصية مختلفة عن بقية مجالات القطاع الاقتصادي، فمن جهة هو على تماس مباشر مع عدة شرائح وفعاليات تتعامل معه بما يفترض أن يلبي أعمالها، ومن جهة ثانية عليه أن يتوافق مع سياسات الجهات الوصائية عليه ولاسيما المصرف المركزي، وبالتالي أغلب المصارف تدور في حلقة الممكن وغير الممكن، وفقاً للوضع العام وخاصة الاقتصادي والقيود المحكوم بها في أداء أعماله، وهذه الحلقة ممكن أن تتسع مع توفر السيولة وتحرير حركة المال وتنوع الأنشطة الاقتصادية واستخدام المصارف كل خدماتها أو تضيق إلى حدود الاختناق مع تجميد السيولة وقد تصل إلى مرحلة “التجلط”.
لذلك العمل المصرفي يحتاج إلى متابعة مستمرة ولحظية لحركة السوق والوضع العام وسرعة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبالآلية المناسبة.
وتابع الفيومي في تصريح لصحيفة “الحرية”: صدر قرار من المركزي يتيح تأجيل سداد أقساط القروض لمدة ثلاثة أشهر بعد أيام قليلة من التحرير، حيث كان قراراً متسرعاً، لا يدل على نضج إداري ومعرفة تامة بمنعكسات كل قرار وآثاره الاقتصادية على الجهات ذات التماس المباشر مع الجهة المعنية بالتنفيذ، فأموال المصارف هي أموال مودعين وأصحاب حقوق، والمصرف مؤتمن على إدارتها وبالتالي هو من يقرر إمكانات التأجيل لكل حالة تعرض عليه من أصحاب العلاقة، لا أن يكون القرار من جهة وصائية على عمله، وطبيعي هذا التأجيل يؤثر على إدارة السيولة في كلّ مصرف، مع تراخي وتساهل في التشدد بمتابعة القروض.
من دون بصمة
وفيما يخص دور مؤسسة ضمان مخاطر القروض، قال الفيومي: مازال دورها إلى الآن شبه محدود، وغير فاعل، علماً أنه قياساً للفترة الزمنية منذ تاريخ إحداثها إلى اليوم، لم أرَ في مجال عملها بصمة واضحة منعكسة على عمل المصارف العامة والخاصة.
بشكل عام أي مصرف عند منح أي قرض هناك مطلبان أساسيان للمنح، توفر الضمانة، والقدرة على التسديد، المطلب الثاني تتحقق منه الإدارات التنفيذية في كلّ مصرف، أما المطلب الأول فهو متشعّب ومتنوع بحسب كل قرض ونوعه وغايته، وغالباً ما يتم اللجوء إلى الضمان العقاري، وهو الضمان الأكثر تعقيداً نظراً لأن العقارات التي تحقق شروط الضمان (الطابو الرسمي) لا يشكل ٤٠٪ من جهات التوثيق العقاري والبقية لجهات غير مقبولة مصرفياً (كاتب عدل، حكم محكمة وغيرها)، وهذا الموضوع أدعو الحكومة أن تضعه ضمن أهم مشاريعها الملحة القادمة لتوحيد جهات توثيق الملكية العقارية، وهو موضوع عالجته دول عربية مشابهة لوضعنا.
تشكيك بوجود سيولة
أما عن سياسة حبس السيولة، بعد كل هذه الفترة وأثره على سعر الصرف قال الخبير المصرفي: أصبحنا نشك بوجود سيولة أصلاً عكس ما صرّح به المركزي حول توفرها حتى إلى حدود زيادة الرواتب في حال إقرارها، والمركزي اليوم مطالب بالتدخل بشفافية لضبط هذه الفوضى سواء بالتصريحات حول السيولة ووضعها أو الفوضى الموجودة بفلتان سوق سعر الصرف.
أداء متراخٍ
لا شك في أن ما يجري من فوضى هو في مصلحة المصارف الخاصة ولو جزئياً باعتبار أنّ المصارف العامة اختفى دورها الحالي إلى حدود دفع رواتب العاملين الموطنة رواتبهم لديها، أو تسديد أقساط جامعات وبعض التحويلات، ما أعطى الفرصة للمصارف الخاصة بسبب بعض المرونة التي تتمتع بها إداراتها للعب دور حتى في موضوع سعر الصرف لأنه بشكل عام لا يوجد وضع مصرفي عام مشجع سواء من ناحية الأداء أو القرارات الصادرة، وأمام هذا الأداء المتراخي وحبس السيولة وضعف التحويلات لا يوجد محفز للاستثمار أو عودة استثمار.
وختم بالقول: الرسائل المطمئنة في الأعمال المصرفية وحدها لا تكفي، المال جبان، العمل والأداء المصرفي حالياً لا يلبي حاجة مستثمرين في عملية دخول وخروج أموال ولا حتى ضمن الطريقة والآلية المطلوبة من أصحاب المشاريع، ظل العقوبات مازال مخيماً على أداء المصارف على عكس الأخبار التي نتابعها في الوقت الذي يحتاج العمل المصرفي إلى أقصى درجات الشفافية.