الأديب و المسرحي علي صقر: المسرح هو الحقل الأكثر خصوبة لتجليات السخرية السوداء

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- أحمد عساف:

الأديب والمسرحي علي صقر أحد الأدباء الذين يبدعون بكثير من الصمت، مؤثراً الابتعاد عن الأضواء.
لكنه نجح في أن يحفر عميقاً في الوجدان وأن يوشم الذاكرة الجمعية باسمه، كعلامة فارقة فيما اقترفه في فن القص وفي المسرح وحتى في الكتابة الصحفية.
يُلقّبه أهل المسرح في طرطوس بـ(شيخ الكار) و(مجنون المسرح).، وكان أول من أقام مهرجاناً مسرحياً بعد التحرير بالتعاون مع مسرح الحارة من إدلب (سراقب) للفنان وليد أبو رشاد.
كتب وأخرج ومثّل مسرحية مونودراما قدّمها في المقاهي والمشافي وعلى شاطئ البحر. تحت عنوان: ( طريق طرطوس – دمشق سالك بالحب). يضم رصيده من الإبداع عدة مجموعات قصص قصيرة منها(بروق و دكان الصدمة وقصة التسعينيات). وله في المسرح: مسرحية هذيان ومسرحية لهاث من تأليفه وإخراجه، ومسرحية العربة ومسرحية انكسارات).

إجابات مسرحية

يقول الفلاسفة: “من لا يمتلك إجابات لا يحق له أن يطرح الأسئلة”، لكن علي صقر يطرح أسئلته عبر مسرحه الخاص به، ليس لامتلاكه الإجابات فحسب بل لأنه يجعل من متلقي مسرحه شريكاً له في إبداعاته. من هنا يؤسس لرؤاه المسرحية شريكاً يقاسمه الرؤيا.. وهو المتلقي.
قام علي صقر بسرد السخرية السوداء وعمل على تفكيك الوجود الإنساني، بعنوان فنان اللااستقرار للإنسان العربي. وبالتالي فهو لا يقدم إجابات ساذجة أو مبتذلة، وحين يطرح أسئلته المؤلمة عبر مراياه الكاشفة. يطرحها بذكاء مرير وموجع بذكاء العارف و الشاهد على أزمنة الانهيارات والانكسارات والخيبات، على ليل الزنازين الطويل.

قصص قصيرة

يسجل صقر عبر القصة القصيرة جداً نبض الإنسان وعزلته وسخطه. لنأخذ إحدى قصصه على سبيل المثال:” بعد أن امتلك أسطولاً من السيارات الفارهة. مات دهساً تحت عجلات دراجة هوائية”. وفي قصة أخرى يقول:” تزوج البحر الأبيض من البحر الأحمر، فأنجبا البحر الأسود حزناً على البحر الميت”. هو يبدع في تسجيل نبض إنسان يعيش في قلب الحياة وفي صميم المأساة في آن واحد. فيبدع في قدرته على تحويل السخرية السوداء، من مجرد أسلوب إلى رؤية للعالم، تجعل من الأدب والمسرح وثيقة إدانة وجودية واجتماعية في وقت واحد. كثيراً ما يستخدم التكثيف والانزياح في كتابة القصة القصيرة جدًا التي تتطلب قدرة فائقة على التكثيف واختزال العالم في ومضة. إذ يتقن هذه اللعبة في مجموعاته القصصية.
لا تهدف قصصه إلى سرد حكاية تقليدية، بل إلى خلق لحظة الانزياح أو الصدمة اللامتوقعة التي تقلب المعنى رأسًا على عقب. هذه الانزياحات غالبًا ما تكون مُرّة، تعكس عبثية الواقع أو تناقضاته. كما يستمد مواضيعه من الحياة اليومية للفرد العادي، منطلقاً من الهامشي إلى الجوهر، ومن تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة والهامشية، ليكشف عن القهر الكامن فيها. الشخصيات في قصصه غالبًا ما تكون مغتربة، محبوسة في دوامة من الروتين والقهر والأسى، أو مسلوبة الإرادة.

سخرية سوداء

يُمثِّل علي صقر نموذجًا للمثقف السوري المتعدد المواهب، الذي ينطلق من جغرافية مكانه (طرطوس) لينفتح على بوابات أكثر انفتاحاً على عوالم أخرى مدججة بأسئلة إنسانية وجودية من خلال أدبين: القصة القصيرة، والمسرح.
حيث يُقدِّم مشروعاً إبداعياً قائماً على النقد الاجتماعي الساخر وتفكيك واقع الإنسان العربي في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، السخرية هنا ليست للترفيه، بل هي آلية دفاع نفسي أمام قسوة الحياة. القارئ يبتسم ابتسامة مريرة عند نهاية كل قصة، لأنه يرى جزءاً من واقعهِ منعكساً في تلك المرآة المشوهة بعمد. مستخدماً السخرية السوداء كسلاح ووسيلة تشريح. بمبضع علي صقر.
المسرح هو الحقل الأكثر خصوبة لتجليات السخرية السوداء عند علي صقر. فعناوين مسرحياته وحدهَا تُشكِّل مدخلاً تحليلياً قوياً: مسرحية “هذيان”: العنوان نفسه يشي بعالم غير متماسك، حيث تتداخل الحقيقة بالوهم، والعقل باللاوعي. “الهذيان” قد يكون تعبيراً عن حالة اللااستقرار السياسي والاجتماعي، أو عن الصراع الداخلي للإنسان الذي فقد بوصلته. فيما تجسد مسرحية “لهاث”: حالة الانشغال الدائم والجري وراء سراب، سواء أكان رزقاً، أو اعترافاً، أو مجرد بقاء. هي صورة للإنسان المعاصر، وخاصة في السياقات المأزومة. مسرحية “عربة المسرح”: هذا العنوان يحمل دلالة العربة قد ترمز للحياة كرحلة جماعية يسحب فيها الأفراد قسراً، أو للنظام الاجتماعي والسياسي كعربة تسير في طريق محدد لا يستطيع الركاب التحكم به. إنها استعارة للقدر الجماعي أو للآلة الاجتماعية الجبارة. أما مسرحية “انكسارات” فتُلخِّص فلسفة صقر النقدية. خاصة أن العالم ليس سوى سلسلة من “الانكسارات” على مستوى الفرد والجماعة. انكسارات الأحلام، والعلاقات، والثوابت، والأيديولوجيات. المسرحية لا تروي قصة انكسار واحد، بل تشريح لظاهرة الانكسار بحد ذاتها.
وفي الختام لا بد من الإشارة أن علي صقر يرفض الكتابة الواقعية التقليدية، ويبحث دائماً عن الزاوية المائلة والرؤية المغايرة التي تكشف الجوهر. وهو الآن يعمل على مسرحية (ملك ليوم واحد) للأديب نواف يونس.

Leave a Comment
آخر الأخبار
ورشة عمل للإعلاميين بالتعاون ما بين وزارتي الصحة والإعلام حول لقاح الحصبة تمهيداً لحملة التلقيح الرو... رئيس اتحاد غرف التجارة السورية يبحث مع وفد اقتصادي أمريكي تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية 20 مليار ليرة لسداد مستحقات القمح.. المصرف الزراعي بحلب يبدأ تسليم دفعات للفلاحين تحصين الصناعيين ضريبياً على رأس أولويات (المالية) صناعة الإسمنت في سوريا: تحديات البيئة والاستيراد تقابلها فرص استثمارية واعدة المخرج مهند كلثوم: التواجد بالمهرجانات السينمائية الدولية مساحة لتوسيع الرؤية وتبادل الخبرات «هيومن رايتس ووتش»: «إسرائيل» تقتل يومياً ما يعادل صفاً دراسياً كاملاً من أطفال غزة ترخيص المصارف الاستثمارية.. يعزز موقع سوريا كمركز مالي واستثماري فاعل بالمنطقة إعادة تأهيل مراكز الاتصالات.. وخطة تطوير وتحسين الإنترنت في اللاذقية منصات رقمية "تحتال" على المواطنين وتكبدهم خسائر كبيرة..وخبير اقتصادي يوضح كيفية تجنبها واختيار الموث...