“الأسواق المفتوحة” ترخي بظلالها الثقيلة على صحة المستهلك السوري.. فهم خاطئ لمفهوم الاقتصاد الحر

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحريّة – نهى علي:
تبدو الأسواق السورية غير آمنة لجهة سلامة الغذاء، وتدفق مختلف أنواع السلع مجهولة المنشأ والمصدر، إن كان على مستوى الزيوت النباتية.. أو المعلّبات بأنواعها.. أو اللحوم المجمدة.. ومختلف المواد الغذائية سريعة العطب.
وعلى الرغم من جنوح الكثير من التجار بخيالاتهم نحو “امتيازات” اقتصاد السوق الحر، وأن ذلك يخوّلهم التفلّت من كافة أشكال الرقابة، إلّا أن المتخصصين يرون أن أدبيات السوق الحر لا تُسقط حتمية الرقابة الصحية والتشدد في متابعة صلاحية وسلامة السلع المطروحة في التداول، لجهة مدى مواءمتها لصحة وسلامة المستهلك.

رقابة حتميّة
ويصوّب عبد الرزاق حبزة أمين سرّ جمعية حماية المستهلك، التهيؤات الخاطئة بشأن جدلية السوق الحر والرقابة على الأسواق، ويوضح في تصريح لصحيفتنا “الحريّة”، أن السوق الحر لا علاقة له بالرقابة التموينية التي تختص بمتابعة الأسعار وصلاحية المادة ومطابقة المواصفات لبطاقة البيان ومدى خلو المادة من العيوب، والتنافس بالأسعار.

غش وتدليس وأغذية مجهولة المنشأ والمصدر.. “سم في الدسم” تروّجه الأسعار المنخفضة

ففيما يقضي السوق الحر بإطلاق آليات المنافسة السعريّة، يبقى دور الرقابة التموينية كبيراً.. سواء من الناحية الصحية أو التموينية أو ماهية الغبن والغش بالبيع أو عدم توافق المواصفات مع المادة المباعة أو اختلاف المواد المتفق عليها مع الأخرى المسلّمة للتاجر في سياق العمليات التجارية ما قبل البيع للمستهلك.

تفعيل أكثر
يجزم حبزة بأن الرقابة التموينية والصحية مازالت متواجدة “من الجانب المتعلق بقوانين ضبط السوق” ولكن تحتاج إلى مزيد التفعيل..
إلا أن الفرق هو غياب التسعير الحكومي عن الأسواق والسلع كما كان في السابق، حيث كانت ملزمة للجميع ولكن اليوم هناك منافسة بالأسعار، أي التاجر يعرض سلعه حسب تكلفتها ومعدلات الربح في إطار من المنافسة الحرّة.

الغش منتشر بكثرة
يلفت أمين سرّ حماية المستهلك إلى أن الاحتكار والغبن منتشران في الأسواق، والأسعار باهظة، كما لا توجد منافسة شريفة في الأسواق، وهناك استغلال وغبن للمستهلك في الوقت الذي تراجعت فرص العمل وانخفضت الأجور.

سلع خطيرة
بخصوص دخول وتدفق المواد الغذائية العشوائي مؤخراً إلى الأسواق وهي الظاهرة المقلقة، إن كانت معلبات مختومة أو اللحوم كالفروج المجمد والكبدة المجمدة والبيض والسمك، يرى أمين سر “حماية المستهلك” أن مشكلة هذه السلع أنها سُوّقت بشكلها المجمد، ولكن بعد فترة يزول التجميد وتُجمد مرة أخرى وخلال هذه العملية تصبح معرضة للجراثيم بشكل سريع، كما أن العامل الأهم والحسّاس هنا هو طريقة عرضها في الشوارع والأرصفة وحتى الباعة هم عرضة للإصابة بالأمراض بسببها، إذ من المفترض بيعها وعرضها في أماكن مخصصة محمية من العوامل الجوية، ويجب أن تكون قد خضعت للفحص والتحليل إن كانت صالحة للاستهلاك البشري فعلاً وخالية من الاصابات الجرثومية، لأن تلك المواد معرضة للفساد خارج شروط صحية معينة وخصوصاً في هذه المرحلة ودرجات حرارة نسبياً مرتفعة وقدوم فصل الصيف.

مجهولة المصدر
ويكشف حبزة: بالنسبة للمعلبات فإن غالبيتها مجهولة المصدر بالرغم من أنها تحمل اسم ماركات رائجة ومعروفة، ولكن المحتوى مختلف عن بطاقة بيانها، وحتى تاريخ الصلاحية على الأغلب مزور وهي سلع مشكوك في أمرها باعتبارها مجهولة المصدر، وحتى البيض المنتشر في الشوارع هو خارج الرقابة ويشك في صلاحيته، وحتى مادة الحلاوة ويبدو كذلك أنها مصنعة من دون مواصفات حقيقية، وغالباً دخلت مهربة إلى الأسواق وهي عبارة عن قطر ومواد أخرى مغشوشة.

تفاؤل حذر
لا يبدو أمين سرّ الجمعية متشائماً كثيراً، إذ يرى أن الرقابة متواجدة ولكنها غير قادرة على تغطية الأسواق ومتابعة جودة المواد والسلع بسبب نقص العنصر البشري والآليات اللازمة لتفقد الأسواق.

حبزة: الاقتصاد الحر لا يُسقط ضرورة الرقابة الصحية والمطابقة.. والمطلوب تفعيل الرقابة التموينية أكثر وتعزيز دور جمعية حماية المستهلك

ويعتبر أن تلك السلع لو أنها دخلت بشكل نظامي لكانت خضعت على الحدود لعمليات فحص وتحليل ومدى صلاحيتها للاستهلاك البشري.. لكن دخولها تهريباً وانخفاض أسعارها أسهم في تسويقها وانتشارها الكثيف في الأسواق وبالتالي كان الإقبال عليها من المستهلك بسبب ضعف قوته الشرائية بشكل عام للمواطنين وفقدان بعضها من الأسواق.

فوضى
أغلب المواد الغذائية المحلية المعروضة في الشوارع يشك في أمرها -وفقاً لحبزة- من ناحية الصلاحية وجودة التصنيع من صبغات وملونات ومواد أساسية، ولكن لا نملك الوسائل الدقيقة القادرة على كشف مدى دقة وصحة صناعة المواد الغذائية.
ولكن الرقابة ترصد أحياناً عمليات الغش وتخبر الجهات المعنية، ويتم معالجة الموضوع حسب الشكوى، ولكن المشكلة الأهم من وجهة نظر حبزة، أن المواطن لا يقدم شكوى لأنه يجد المواد والسلع الغذائية رخيصة.

تكامل أدوار
يرى حبزة أن ثمة ضرورة ملحّة لربط دور جمعية حماية المستهلك بالحكومة ودعم توجهاتها لمعالجة عمليات الغش والتهريب، إضافة إلى دور المجتمع المحلي والأهلي، لأن دوره كبير في المراقبة في الوقت الذي تكون فيه الدوريات التموينية غير قادرة على مراقبة الأسواق بشكل كافٍ، مبيناً أن الجمعية “حماية المستهلك”، كانت قد وجهت كتباً لرئاسة مجلس الوزراء تدعو فيها لضبط المنافذ الحدودية ووقف تهريب اللحوم من سوريا وإليها، وأعطى مثالاً عن خطورة تهريب العواس إلى الخارج وتأثيره على أسعارها لدينا، وكذلك أثر دخول اللحوم المهربة على أسعار اللحوم المحلية، وكل ذلك من طبيعة المراحل الانتقالية بين آليتين في إدارة السوق واختلاف آلية العمل ودخول الأسواق في مرحلة الاقتصاد الحر وعدم تأقلم المواطنين مع متطلبات الواقع الجديد.

Leave a Comment
آخر الأخبار