حتى لو توقفنا عن إسقاط القنابل.. لن تتمكنوا من العيش هنا

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – متابعة مها سلطان:

العنوان أعلاه يشكل باختصار مضمون رسالة الإبادة الكليّة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، حيث أنها لا تقتصر على البشر فقط «أهل غزة» بل تتعداها إلى كل شيء قائم فوق أرض غزة، البشر والشجر والحجر.
حول ذلك كتبت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالاً مهماً أحصت فيه حجم الموت والدمار، وتحدث عما سمته الإبادة البيئية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مؤكدة أن الرسالة التي تريد تثبيتها وايصالها إلى أهل غزة هي: «حتى لو توقفنا عن إسقاط القنابل، فلن تتمكنوا من العيش هنا».
تقول الغارديان: تبيد إسرائيل الأراضي الزراعية إلى جانب الإبادة الجماعية في مسعى للقضاء على كل أشكال الحياة في غزة. ويبدو شعار إسرائيل في هذه المعادلة: شعب بلا أرض وأرض بلا شعب. وهناك وسيلتان لتحقيق هذا الشعار: الأولى هي القتل الجماعي وتهجير الفلسطينيين، والثانية هي جعل الأرض غير صالحة للسكن، إلى جانب جريمة الإبادة الجماعية. وتتكشف أيضاً فظائع أخرى وهي الإبادة البيئية.
وبينما يظهر تدمير المباني والبنية التحتية في غزة جلياً في كل فيديو نشاهده، فإن ما هو أقل وضوحاً هو الدمار الموازي للأنظمة البيئية وسبل العيش. فقبل 7 تشرين الأول 2023 (عملية طوفان الاقصى) التي أشعلت فتيل الحرب الحالية على غزة، كانت حوالي 40% من أراضيها مزروعة. ورغم كثافتها السكانية الهائلة، كانت غزة مكتفية ذاتياً في الغالب من الخضراوات والدواجن، وكانت تلبي معظم احتياجات السكان من الزيتون والفواكه والحليب. لكن في الشهر الماضي، أفادت الأمم المتحدة أن 1.5% فقط من أراضيها الزراعية لا تزال الآن متاحة وغير متضررة. أي ما يعادل حوالي 200 هكتار – وهي المساحة الوحيدة المتبقية المتاحة مباشرة لإطعام أكثر من مليوني شخص.
ويعود جزء من السبب إلى التدمير الممنهج للأراضي الزراعية على يد الجيش الإسرائيلي. فقد هدمت القوات البرية الدفيئات الزراعية واقتلعت الجرافات البساتين وجرفت المحاصيل وسحقت التربة ورشّت الطائرات مبيدات الأعشاب فوق الحقول.
تبرر إسرائيل هذه الهجمات بزعمها أن «حماس غالباً ما تعمل من داخل البساتين والحقول والأراضي الزراعية». ويبدو أنها تعمل من المستشفيات والمدارس والجامعات والمناطق الصناعية وأي موارد أخرى يعتمد عليها الفلسطينيون. وكل ما يحتاجه الجيش الإسرائيلي لتبرير التدمير هو الإيحاء بأن حماس عملت أو قد تعمل من المكان الذي تريد تدميره. وإذا لم يكن هناك دليل فقد فات الأوان.
وتضيف الغارديان: يواصل الجيش الإسرائيلي توسيع «المنطقة العازلة» على طول الحدود الشرقية لغزة، والتي تضمّ جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية في القطاع. وكما يشير الخبير في حقوق الإنسان حمزة حموشن، فبدلاً من «جعل الصحراء تزدهر» وهو شعار أساسي في الدعاية الإسرائيلية الرسمية، يحوّل الجيش الإسرائيلي الأراضي الخصبة والمنتجة إلى صحراء قاحلة.
ولطالما قطعت الحكومة الإسرائيلية أشجار الزيتون القديمة للفلسطينيين لعقود من الزمن لحرمانهم من سبل العيش وإحباطهم وقطع صلتهم بالأرض. وللزيتون أهميةٌ ماديةٌ بالغة، إذ يشكّل 14% من الاقتصاد الفلسطيني، وله قوة رمزيةٌ كبيرة: فإن لم تكن هناك أشجار زيتون فلن يكون هناك غصن زيتون. وسياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها إسرائيل، إلى جانب حصارها للإمدادات الغذائية، تضمن المجاعة.
لقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انهيار في معالجة مياه الصرف الصحي. وتغمر مياه الصرف الصحي الخام الأرض وتتسرب إلى طبقات المياه الجوفية وتسمم المياه الساحلية. وقد حدث الشيء نفسه للتخلص من النفايات الصلبة: حيث تتعفن جبال من القمامة الآن ويتصاعد منها دخان كثيف بين الأنقاض أو تُدفع إلى مكبات نفايات عشوائية، مما يؤدي إلى تسرب الملوثات.
قبل الحرب، كان سكان غزة يحصلون على حوالي 85 لتراً من المياه للفرد يومياً، وهو ما يفي بالحد الأدنى الموصى به، على الرغم من ندرته. واعتباراً من شباط الماضي انخفض المتوسط إلى 5.7 لترات. ويتعرض خزان المياه الجوفية الساحلي الحيوي في غزة لمزيد من التهديد بسبب إغراق الجيش الإسرائيلي لأنفاق حماس بمياه البحر: فتسرب الملح، بعد نقطة معينة، سيجعل الخزان الجوفي غير صالح للاستخدام.
وتتابع الصحيفة البريطانية: قدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة العام الماضي أن متوسط كمية الأنقاض الناتجة عن القصف والدمار في كل متر مربع من غزة يبلغ 107 كغ. ويختلط جزء كبير من هذه الأنقاض بالأسبستوس والذخائر غير المنفجرة والبقايا البشرية والسموم المنبعثة من الأسلحة.
وتحتوي الذخائر على معادن مثل الرصاص والنحاس والمنغنيز ومركبات الألومنيوم والزئبق واليورانيوم المنضب. وتشير تقارير موثوقة إلى استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض بشكل غير قانوني، وهو سلاح كيميائي حارق بشع يسبب تلوثًاً واسع النطاق للتربة والمياه. كما أن استنشاق الغبار السام والدخان له آثار بالغة على صحة الناس.

علاوة على الآثار المباشرة المدمرة على حياة سكان غزة، فإن انبعاثات الكربون الناجمة عن العدوان الإسرائيلي فلكية: مزيج من الانبعاثات المباشرة الهائلة الناجمة عن الحرب، والتكلفة المناخية الباهظة لإعادة إعمار غزة (إن سُمح بذلك أصلاً) والتي ستُنتج غازات دفيئة تُعادل الانبعاثات السنوية لدولة متوسطة الحجم.
وتعلق الغارديان: عندما تفكر في الإبادة البيئية إلى جانب الإبادة الجماعية تبدأ في إدراك مجمل محاولة إسرائيل للقضاء على الفلسطينيين ووطنهم. هذا التدهور البيئي ليس عرضياً؛ إنه مُتعمّد ومُطوّل، ويهدف إلى كسر الصمود البيئي للشعب الفلسطيني.

Leave a Comment
آخر الأخبار