الحريّة – ميليا اسبر:
يُعد الاستثمار الركيزة الأساسية لأي اقتصاد يسعى إلى النمو والتحول من حالة الفقر والتبعية إلى حالة الرفاهية والإنتاجية، فهو ليس مجرد نشاط مالي، بل عملية تحويل للموارد نحو بناء القدرات، وتوليد فرص العمل، وتحفيز الابتكار في مختلف مجالات الحياة، بدءًا من التعليم وصولًا إلى التكنولوجيا، حيث إنّ الاستثمار يشكل البوابة الحقيقية للانتقال من اقتصاد ريعي أو استهلاكي إلى إنتاجي تنافسي حسب ماصرّح به الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي لصحيفتنا” الحريّة “.
د. قوشجي: رغم الحاجة الملحة للاستثمار إلّا أن البيئة الاقتصادية الحالية تواجه تحديات كبيرة
الاستثمار أداة لتعافي الاقتصاد
وأشار د. قوشجي إلى أهمية الاستثمار في تعافي الاقتصاد السوري، وفي الحالة السورية يبرز الاستثمار كأداة مركزية لمعالجة التشوهات البنيوية التي تعانيها المنظومة الاقتصادية، وعلى رأسها البطالة المقنّعة والهيكلية التي تعصف بالشباب والخريجين، إضافة إلى الاحتكار الاقتصادي الذي يحدّ من المنافسة، وأيضاً اعتماد الاقتصاد السوري الحالي على الخارج في تأمين السلع والخدمات الأساسية ما يضعف السيادة الاقتصادية ويزيد من هشاشة السوق، مضيفاً أن تنشيط الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر وغير المباشر، الحقيقي والمالي، هو السبيل الوحيد لكسر هذه الحلقة المفرغة، وتحقيق التعافي الاقتصادي المستدام.
التحديات البنيوية أمام الاستثمار في سوريا
وذكر د. قوشجي رغم الحاجة الملحة للاستثمار، إلّا أن البيئة الاقتصادية السورية الحالية تواجه تحديات عميقة، أبرزها:
الانغلاق الاقتصادي الناتج عن عقود من السياسات الحمائية والعزلة عن الأسواق العالمية، وغياب الهوية الإنتاجية الوطنية التي ترتكز على ميزة نسبية واضحة في التجارة الخارجية، بالإضافة إلى الاحتكار القطاعي الذي يمنع دخول مستثمرين جدد ويقيد حرية السوق. وضعف الجهاز المصرفي في أداء دوره التمويلي والاستثماري نتيجة لانعدام الثقة وغياب الأدوات الحديثة، منوهاً بأن هذه التحديات لا تعكس فقط ضعفًا في البنية التحتية، بل تشير إلى خلل مؤسسي يتطلب إصلاحًا جذريًا في السياسات والتشريعات.
خارطة طريق لتحفيز الاستثمار وتحقيق التحول الاقتصادي
ويرى د. قوشجي أنه لتحقيق نقلة نوعية في الاستثمار، لا بدّ من تبني حزمة إصلاحات متكاملة تشمل إصدار تشريعات استثمارية حديثة تضمن الشفافية، وتحمي حقوق المستثمرين، وتقلل من البيروقراطية، والتحول نحو اقتصاد حرّ وأسواق تنافسية تكسر الاحتكار وتفتح المجال أمام المبادرات الفردية والمؤسساتية، و إعادة هيكلة الجهاز المصرفي ليكون قادراً على جذب الكتلة النقدية وتوظيفها في مشاريع إنتاجية، بدلاً من تجميدها أو توجيهها نحو المضاربة، و تشجيع تأسيس شركات مساهمة عامة تتيح للمواطنين ذوي الفوائض المالية المشاركة في الاستثمار، ما يعزز ثقافة الادخار المنتج، وبناء هوية اقتصادية وطنية ترتكز على القطاعات التي تتمتع بميزة نسبية مثل الزراعة، السياحة، والصناعات التحويلية، وربطها بسلاسل القيمة العالمية.
وختم د. قوشجي بالقول: إن الاستثمار ليس مجرد خياراً اقتصادياً، بل هو ضرورة وطنية واستراتيجية تنموية. فبدونه ستبقى سوريا رهينة للاحتكار، والتبعية، والركود، أما بالاستثمار فسوف تتحول إلى بيئة خصبة للإبداع والابتكار، والعدالة الاقتصادية، ومن هنا فإن بناء بيئة استثمارية سليمة هو الخطوة الأولى نحو اقتصاد سوري حديث، منتج، ومندمج في العالم.
د. خربوطلي: بيئة الاستثمار بدأت بالتحسن وهناك تشريعات موجودة وقادمة لاحقاً مع تحرير قطاع التجارة الخارجية وتداول القطع الأجنبي
الاستثمار أوكسجين الاقتصاد
بدوره مدير غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي أوضح في تصريح لصحيفتنا ” الحرية ” أن الاستثمار هو أوكسجين الاقتصاد الذي يمنح نمو المعدلات الأكبر ويؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي والدخل الفردي أيضاً، فلاستثمار من خلال رؤوس الأموال التي تقوم بإيجاد قيم مضافة تؤدي لاحقاً كما في كلّ القطاعات الإنتاجية والخدمية ( زراعة – صناعة- تجارة وأيضاً عقارات واستثمارات سياحية ) أي أنها في كل هذه المجالات تؤدي من خلال تراكم رأس المال إلى مضاعفة الثروة ، وتالياً إلى زيادة الناتج المحلي الذي ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل .
وأشار د. خربوطلي إلى أن سوريا بحاجة إلى كمٍّ استثماري هائل لتعويض المرحلة السابقة التي تضرر فيها الاقتصاد السوري بشكل كبير، وقد انكمش إلى درجة لا تقل عن 85% من وضعه قبل عام 2011 ، لذلك هناك حاجة إلى مضاعفة معدلات الاسثمار و النمو الاقتصادي.
تحسين الدخل وزيادة الصادرات
وأكد مدير غرفة تجارة دمشق أنّ الاتفاقيات أو التفاهمات الاستثمارية التي تمّ توقيعها في دمشق مؤخراً هي مهمة جداً لزيادة الناتج المحلي وفرص العمل والتشغيل، وتحسين الدخل وزيادة الصادرات، موضحاً أنّ بيئة الاستثمار بدأت بالتحسن وهناك تشريعات موجودة وقادمة لاحقاً مع تحرير قطاع التجارة الخارجية وتداول القطع الأجنبي ، وهناك أنظمة ضريبية جديدة متوقعة إصدارها لاحقاً بعد الموافقة عليها من مجلس الشعب الجديد ، مضيفاً بوجود فرص استثمارية كبيرة جداً في سوريا غير مستثمرة ( متوقفة منذ14 سنة ) وهناك فرص كبيرة لاستثمارها وإعادة إحيائها، وتالياً إحداث فارق اقتصادي جيد على مستوى الاقتصاد السوري يؤدي إلى نهوض الاقتصاد وازدهاره، وهذا مهم جداً في المرحلة القادمة .
اقرأ أيضاً: