البسطات صراع يومي من أجل لقمة العيش.. وخبيرة اقتصادية تقترح دمجها في الاقتصاد الرسمي وتنظيمها وترخيصها

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

تشهد أرصفة دمشق تقلبات الأيام بمرارتها المتصاعدة على البعض منا، وتقف “البسطات” كشاهدٍ حيٍّ على صمود الإنسان في وجه التحديات الاقتصادية القاسية إنها ليست مجرد أكشاكٍ بسيطةٍ تعرض بضائعها بل هي قصص لأحلام تُصارع للبقاء، وشرايين حياةٍ تُؤمّن قوت يومي لآلاف الأسر السورية، لكن في ظل غياب الأطر القانونية الواضحة، وعمل أصحابها في ظروفٍ معيشيةٍ قاسية، يظل مستقبل هذه الظاهرة الاقتصادية المهمة مرهوناً بقراراتٍ قد تُعيد لها الحياة أو تُجهضها.

ملاحقة لا مستمرة

تُشكل قضية التنظيم القانوني للبسطات في دمشق تحدياً كبيراً في ظل الوضع الراهن فبينما يعرض أصحابها أنفسهم للملاحقة والمصادرة، يغيب عنهم أي إطارٍ قانونيٍ واضحٍ يوفر لهم الحماية اللازمة وبيئة عملٍ آمنة، وهنا يبرز السؤال المُلِحّ: ما هي الخطوات العملية التي تخطط لها الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد أو محافظة دمشق، لوضع أطرٍ قانونيةٍ واضحة تنظم عمل هذه البسطات وتوفر لأصحابها الحماية اللازمة وبيئة عملٍ آمنة؟

ظاهرةٌ اقتصادية

أم لؤي تصرخ وهي باكية: تمت مصادرة بسطة ابني المعوق للمرة الثالثة رغم أنه لا معيل لنا غيره، وأنا امرأة كبيرة ومريضة ولا معاش تقاعدياً لدي يعيلني حتى في توفير أدويتي، وهنا نطرح سؤال على الجهات المعنية، هل هناك رؤية مستقبلية لتأمين معاشات لكبار السن والأرامل وللمطلقات وذوي الإعاقة لتصبح جزءاً من الحلول الاقتصادية، لتساهم في تحسين حياة المواطنين وحفظ كرامتهم.

صراعٌ يوميٌ من أجل لقمة العيش

“أبو أحمد”، رجل في الخمسينيات من عمره، يقف خلف بسطته المتواضعة التي تعرض الخضروات والفواكه الطازجة في أحد شوارع دمشق المزدحمة، يحكي لنا بمرارة عن معاناته اليومية: “نحن نعمل هنا منذ فترة، لنؤمن رزق أولادنا من عرق جبيننا، لكن كل يوم هو حرب جديدة متوقعة، نلاحق من قبل شرطة البلدية، ويُهددوننا بمصادرة بضاعتنا، ولا يوجد مكان رسمي لنا، ولا رخصة تريح بالنا.”
ويضيف جاره أبو علي وهو يُشير إلى كومةٍ من الخضراوات التي بدأت تفقد نضارتها بسبب حرارة الشمس: “حتى عندما حاولوا إيجاد أماكن لنا، وضعونا في زوايا بعيدة عن حركة الناس، لا أحد يمر من هنا. كيف سنبيع بضاعتنا ونؤمن رزقنا؟ نحن لا نطلب الكثير، فقط مكان آمن للعمل ورخصة تُريحنا من هذا الخوف الدائم.”
وبعد استطلاع آراء العديد من أصحاب البسطات تبين أن المحافظة ترفض منحهم الرخص اللازمة، وأضاف أحدهم: المحافظة وجدت لهم أماكن بديلة، إلا أن هذه الأماكن تجعلهم بعيدين عن جذب الزبائن وحركة البيع والشراء، هذا الواقع يُثير تساؤلات حول جدوى هذه الإجراءات وما إذا كانت هناك حلولٌ بديلةٌ تُراعي طبيعة عمل البسطات وتُمكن أصحابها من الاستمرار؟.

دعمٌ مؤجلٌ.. ومشاريعٌ مُعلقة

أكدت الخبيرة الاقتصادية هناء محمد، لـ”الحرية” أن البسطات توفر فرصةً للشباب والأسر لتأمين قوت يومهم خاصة ممن لا يمتلكون وظائف دائمة، أو ممكن فقدوا عملهم أو ربما من لديهم حالة صحية تمنعهم من مزاولة عمل ما، مضيفة: في حال توفر آليات حقيقية لدعم هذه المبادرات الصغيرة وتحويلها إلى مشاريع مستدامة، من خلال توفير قروضٍ ميسرة، أو برامج تدريب وتوجيه، بهدف تمكين الأفراد من تطوير أعمالهم وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية صغيرة ومستدامة.
وتشير محمد إلى أنه رغم ما تُعانيه البسطات من ظروف قاسية وربما غيابٍ للتنظيم القانوني لها، إلا أنها تُشكل شريان حياة حقيقياً لقطاعٍ واسعٍ من المجتمع، وتساهم بشكل غير مباشر في دوران عجلة الاقتصاد المحلي من خلال توفير سلعٍ بأسعارٍ معقولة تناسب لكثيرين ممن لا يمتلكون قدرة شرائية، وهي أيضاً تنشيط حركة البيع والشراء.

حلول ترقيعية

وتضيف محمد: رفض منح الرخص أو توفير مواقع غير مجدية يعد “حلولاً ترقيعية لا تعالج جذور المشكلة، وتشدد على ضرورة أن تنظر المحافظة إلى هذه البسطات كـ “ظاهرة اقتصاديةٍ قائمةٍ بذاتها، تتطلب تنظيماً قانونياً ودعماً حقيقياً”.
وتقترح محمد أن الحل يمكن أن يتمثل من خلال وضع إطار قانوني واضحٍ ومرن وذلك بتنظيم عمل البسطات، وتحديد مواقعها، وبتوفير تراخيص بـ(أسعارٍ رمزية)، مع مراعاة طبيعة عملها الموسمي أو اليومي، مع اختيار مواقع استراتيجية للبسطات، تكون قريبةً من تجمعات السكان أو الأسواق الرئيسية، لضمان حركة بيعٍ وشراءٍ فعالة.
كما اقترحت محمد: تقديم قروض صغيرة أو دعمٍ عينيٍ لأصحاب البسطات لتمكينهم من تطوير بضائعهم، وتحسين ظروف عملهم، وربما الانتقال إلى مشاريع صغيرةٍ أكثر استدامة.
مردفة: إن طرح فكرة دمجها في الاقتصاد الرسمي بدلًا من محاربتها من خلال إنشاء أسواق منظمة للبسطات، أو ربطها بمنصات إلكترونية للتسويق يساعد في الحل.
وختمت محمد: نأمل من الجهات المعنية رسم إستراتيجية جديدة لمنح رواتب لنسائنا ولكبار السن والعجزة والمطلقات والأرامل وذوي الإعاقة، لمنعهم من الحاجة بحيث تحفظ ماء وجههم فلنكن معهم لا ضدهم، لافتة أيضاً إلى أن تجاهل هذه ظاهرة البسطات أو محاربتها بشكلٍ قمعي، لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، كما يُمكن أن يُصبح تنظيم البسطات ودعمها جزءاً من حلولٍ اقتصاديةٍ أوسع تساهم في تحسين حياة المواطنين لتدعم الاقتصاد المحلي السوري.

Leave a Comment
آخر الأخبار