الحرية– بشرى سمير:
تشهد سوريا واحدة من أشد أزمات السكن تعقيداً في المنطقة، حيث تفاقمت هذه الأزمة بسبب سنوات من الحرب والنزوح والظروف الاقتصادية الصعبة. في هذا السياق، برزت البيوت الجاهزة كحل مقترح لمعضلة السكن، ما أثار جدلاً واسعاً بين المواطنين حول جدواها وفعاليتها.
كما تشهد العديد من المجتمعات الريفية في العالم نقصاً حاداً في الوحدات السكنية المناسبة، ما دفع بالكثير إلى البحث عن بدائل غير تقليدية.
من هنا جاءت فكرة البيوت الجاهزة وهي أبنية مؤلفة من طابق واحد (أو أكثر) يتم تصميمها وتصنيعها بالكامل في المصنع، ثم تُنقل جاهزة إلى موقع المشتري ليتم تركيبها بسرعة، كحل ممكن لمواجهة أزمة السكن في المناطق الريفية، والتي ازدادت نتيجة الدمار الذي خلفه النظام البائد باستهدافه القرى والمنازل وحيث توفر هذه البيوت مزايا متعددة أبرزها السرعة في البناء والتكلفة المنخفضة نسبياً.
ارتفاع الأسعار
لكن هل كل المواطنين قادرون على حل أزمة سكنهم باقتناء منزل مسبق الصنع؟
يقول الخبير الاقتصادي والمهندس المدني أحمد توتنجي لـ”الحرية”: البيوت الجاهزة (البيوت مسبقة الصنع) في سوريا، أصبحت خيارًا شائعًا نسبيًا بسبب سرعة البناء وتنوع التكاليف مقارنة بالبناء التقليدي، خاصة في ظل الظروف الحالية، وقد بدأت هذه المنازل بالظهور لأول مرة 2018 عندما عرض في معرض دمشق الدولي أبنية جاهزة. تتضمن هذه المنازل الجاهزة وحدات جاهزة للسكن تُنقل من المصنع إلى موقع العميل وتُركب فيه، وبعضها يتضمن خدمات نقل مجانية ضمن دمشق وريفها.
توتنجي: البيوت الجاهزة (البيوت مسبقة الصنع) في سوريا أصبحت خيارًا شائعًا نسبيًا بسبب سرعة البناء وتنوع التكاليف مقارنة بالبناء التقليدي
وتختلف أسعارها من محافظة إلى أخرى وحسب الشركة المصنعة أو المورد وجودة المواد هل هي محلية أو مستوردة، كما يسهم في التسعير التصميم ومساحة المنزل على سبيل المثال تصل تكلفة البيت الجاهز مساحته 60 متراً مع نوعية الخدمات الخامات قد يبدأ السعر من 5,000$ إلى 15,000$ (هيكل أساسي بدون تشطيب كامل).
بينما يتراوح سعر بيت متوسط الجودة (مساحة 100-120 م²) بتشطيب مقبول بين 15,000$ إلى 30,000$. وإذا كان المنزل عبارة عن فيلا أو بيت فاخر (مساحة +150 م²) بتصميم مميز وتشطيب عالي الجودة: يمكن أن يتجاوز السعر 40,000$ وقد يصل إلى 100,000$ أو أكثر.
ولفت إلى أنه لا يمكن شراء منزل جاهر إلا وفق شروط محددة أهمها:
-امتلاك الأرض وهو شرط أساسي في معظم الحالات، يجب أن تملك قطعة أرض صالحة للبناء عليها ومن ثم يمكن شراء البيت الجاهز يتم تركيبه على الأرض.
– إضافة إلى ضرورة الحصول على تصريح بناء من البلدية أو الجهة الإدارية المختصة المحافظة أو المنطقة.
– ويجب أن تتوافق مواصفات البيت الجاهز مع شروط البلدية (مثل نسبة البناء، والارتفاع، والمسافات عن الشوارع) ولفت إلى أن بعض الشركات قد تساعد في إجراءات التصريح، لكن المسؤولية النهائية تقع على المالك.
مؤكداً أن البيوت الجاهزة خيار عملي في سوريا حالياً ورغم أنها ارتبطت بضعف المتانة، لكن التطور التكنولوجي أحدث ثورة في هذا المجال حيث تصمم معظم البيوت الجاهزة الحديثة لتدوم 30-50 سنة، مع قدرة على مقاومة العوامل الجوية المختلفة وتستخدم في البناء مواد متطورة مثل الفولاذ المجلفن، والألواح المركبة، والخرسانة مسبقة الصب التي توفر متانة عالية كما أنها توفر عزلًا حراريًا وصوتيًا جيداً، ما يزيد من راحة السكان ويحافظ على هيكل المبنى.
وأضاف: يمكن تصميم البيوت الجاهزة لمقاومة الزلازل والرياح القوية، ما يجعلها مناسبة للمناطق الريفية المعرضة لمثل هذه المخاطر.
حل أزمة السكن
وحول إمكانية أن تشكل البيوت الجاهزة حلاً لأزمة السكن؟ بين توتونجي أن هذه البيوت تكلفتها المنخفضة قياساً الى المنازل التقليدية تحقق توفيراً يصل إلى 30-50%، إضافة إلى السرعة في تركيبها إذ يمكن تركيب المنزل الجاهز في أسابيع قليلة مقابل أشهر أو سنوات في البناء التقليدي ولعل من ميزاتها أنها يمكن فكها ونقلها وتوسيعها حسب الحاجة.
ولفت توتونجي إلى أن من أبرز ميزاتها أنها تناسب المناطق النائية التي تفتقر للبنى التحتية اللازمة للبناء التقليدي.
التحديات
ورغم أنها تعتبر حلاً لأزمة السكن إلا أن هناك جملة من التحديات حسب توتونجي أهمها النظرة المجتمعية لا يزال البعض ينظر إلى هذه البيوت على أنها حل مؤقت وأقل قيمة من البناء التقليدي إضافة إلى ما قد يتعرض أصحابها من مشاكل في الصيانة على المدى الطويل نتيجة قلة الخبرة ونقص العمالة المدربة على تركيب وصيانة هذه البيوت في بعض المناطق الريفية.
ولم ينكر توتونجي وجود القيود التنظيمية التي قد تفرض على استخدام هذه البيوت أو لا توفر تراخيص سكنية لها إضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء المستوردة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين وتمثل البيوت الجاهزة حلاً واعداً لأزمة السكن في المناطق الريفية، خاصة مع تطور تكنولوجيا تصنيعها وزيادة متانتها. ورغم التحديات التي تواجهها، إلا أن مزاياها من حيث التكلفة والسرعة والمرونة تجعلها خياراً عملياً للكثيرين.
لكن نجاحها كحل دائم لأزمة السكن الريفي يتطلب تطوير أنظمة بناء معيارية، وتوعية المجتمعات الريفية بفوائدها، وتذليل العقبات التنظيمية التي تعترض انتشارها.
أزمة قديمة
ويشير الخبير التنموي محمد دقماق: تعود أزمة السكن في سوريا إلى ما قبل الحرب، لكنها تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية. وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، دمرت أو تضررت أكثر من 40% من الوحدات السكنية في البلاد، ما أوجد عجزاً هائلاً يقدر بملايين الوحدات السكنية. وأدى النزوح الداخلي والخارجي لملايين السوريين إلى تفاقم الضغط على المناطق الآمنة نسبياً، ما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار الإيجارات والعقارات.
ويرى كثير من المواطنين، خاصة الذين كانوا نازحين وأصحاب الدخل المحدود، في البيوت الجاهزة حلاً عملياً لأزمتهم المباشرة.
ويقول أبو محمد (45 عاماً) من ريف دمشق: “بعد أن دمر منزلي، عشت مع عائلتي في خيمة لثلاث سنوات. البيت الجاهز كان بديلاً أفضل بكثير، فهو يوفر خصوصية وحماية من البرد والحرارة”.
من جهة أخرى، ينتقد كثير من الخبراء والمواطنين هذه الحلول، معتبرين إياها غير كافية. وتقول المهندسة سميرة العلبي من دمشق: “البيوت الجاهزة قد تكون حلاً مؤقتاً، لكنها لا تشكل بديلاً عن التخطيط العمراني المتكامل والبنية التحتية المناسبة”.
وجهات نظر
رغم الجدل القائم، يتفق معظم الخبراء والمواطنين على أن البيوت الجاهزة يمكن أن تكون جزءاً من حل شامل إذا ما تم دمجها في مخططات تنموية متكاملة و تطوير معايير وطنية لمواد البناء والتنفيذ وتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية و دعم الصناعة المحلية لإنتاج مواد البناء.
ختاماً
تبقى أزمة السكن في سوريا معقدة ومتعددة الأبعاد، والبيوت الجاهزة تمثل أحد الحلول المطروحة التي تلقى قبولاً ورفضاً في آن واحد.
بينما يراها البعض حلاً عملياً للظروف الطارئة، يرى فيها آخرون ترقيعاً لمشكلة هيكلية تحتاج إلى حلول جذرية.
يبقى الأمل في أن تتحول هذه التجربة إلى نقطة انطلاق نحو إستراتيجية سكنية متكاملة تلامس احتياجات السوريين وتلبي تطلعاتهم في سكن لائق ومستدام.