الحرية – بشرى سمير:
يشكل التعليم المهني والتقني ركيزة أساسية لبناء الاقتصاديات وتأهيل الكوادر البشرية، وهو جسر العبور الأمثل للطلاب إلى سوق العمل، ورافعة حيوية لإعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
في سوريا، خطا هذا القطاع خطوات كبيرة، لكن طريقه ما زال مفروشاً بالتحديات التي تحول دون تحقيق طموحات المرحلة.
خبير في التعليم المهني: نظرة مجتمعية تحدّ من الاستفادة القصوى رغم دوره المحوري في إعادة الإعمار والتنمية
تحديات تعوق الطموح
كشف المدرس المتقاعد في التعليم المهني المهندس محمد خرساني لـ”الحرية”،عن أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي، مُسلطاً الضوء على ثلاث عقبات رئيسة:
– الشح في الدعم المالي: حيث تُعد بعض البرامج التقنية مكلفة، كما أن ارتفاع أسعار المعدات والآلات واللوازم التدريبية يحول دون إتاحتها للعديد من الطلاب، ما يحد من جودة التدريب العملي.
– إضافة إلى النظرة الدونية المجتمعية إذ لا يزال التعليم المهني يعاني سوء الفهم المجتمعي، حيث يُنظر إليه على أنه خيار ثانوي وأقل شأناً مقارنة بالتعليم الأكاديمي ما يدفع الكثير من الطلاب إلى الإحجام عنه.
– وثالثا وجود فجوة المهارات وسرعة التطور مع التسارع الكبير في التطورات التقنية والمعرفية، تتغير متطلبات سوق العمل والمهارات المطلوبة بسرعة تفوق قدرة المناهج الدراسية على المواكبة، ما يخلق فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.
حلول مقترحة
للتغلب على هذه التحديات، يقترح الخبير خرساني حزمة من الحلول، أبرزها:
– توفير منح دراسية ودعم مالي لتذليل عقبة التكلفة وشن حملات توعوية لتغيير الصورة النمطية السلبية عن التعليم المهني في المجتمع ولم ينسَ ضرورة تحديث المناهج الدراسية بانتظام لضمان مواءمتها لمتطلبات سوق العمل المتجددة.
– الاستثمار في التعليم المهني: رهان رابح على المستقبل.
وسيلة فعّالة لتأهيل الأفراد وتحقيق النمو الاقتصادي
وعن العائد من الاستثمار في هذا القطاع، أوضح خرساني أنه “يُعد وسيلة فعالة لتأهيل الأفراد وتحقيق النمو الاقتصادي من خلال تزويد المتعلمين بالمهارات العملية التي يحتاجها السوق، ما يعزز فرص العمل ويُسهم في بناء قوة عاملة ماهرة تلبي احتياجات القطاعات الإنتاجية، وتُحفّز التنمية الاقتصادية، وتمكن الأفراد من تحقيق الاستقلال المالي لكن يجب التغلب على وجود فجوة المهارات في السوق حيث أدت سنوات الأزمة إلى هجرة كبيرة للكفاءات والمهنيين المهرة (مثل النجارين المحترفين، الميكانيكيين، عمال اللحام، فنيي التبريد والتكييف، الكهربائيين).
وهناك طلب متزايد على هذه المهن لإعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية، بينما يعاني السوق من نقص حاد في العمالة المدربة تدريباً عالياً.
الاستثمار في التعليم المهني يحمل عائداً مرتفعاً جداً إذا تم التخطيط له بشكل سليم
ولم ينفِ خرساني عدم قدرة القطاع الحكومي على استيعاب الخريجين، ما يدفع الشباب إلى البحث عن مهن حرة أو العمل في قطاعات خاصة تحتاج إلى مهارات عملية. حتى في الدول المتقدمة، هناك عودة للقيمة العالية للمهن اليدوية الماهرة التي يصعب استبدالها بالآلات وقبل البدء بأي مشروع لابدّ من دراسة السوق بدقة (الأهم):
وتحدد المهن الأكثر طلبًا مثال: فني ألواح شمسية، مختص في تركيب الطاقة الشمسية، فني تكييف وتبريد، مبرمج، مسوق إلكتروني، إلخ) منوهاً بفعالية التعاون بين القطاع العام والخاص للنجاح في الاستثمار والعمل على التسويق الذكي من خلال استهدف الأهالي وأصحاب الأعمال و ليس الطلاب فقط.
مؤكداً أنّ الاستثمار في التعليم المهني في سوريا هو استثمار في الحاجة الأكثر إلحاحًا في السوق حالياً وهي المهارة، ورغم أن المشروع يحمل مخاطرة متوسطة إلى عالية بسبب التحديات الاقتصادية، لكنه يحمل عائدًا مرتفعًا جدًا إذا تم التخطيط له بشكل صحيح لأنه يلامس حاجة حقيقية. النجاح ليس مضمونًا، لكن الفرصة كبيرة جدًا للمستثمر الذكي الذي يفهم السوق ويتعامل مع التحديات بمنهجية عملية.
قدرات الطلاب وتشجع على الإنتاج
من جانبها، أكدت مديرة التعليم المهني في وزارة التربية السيدة سوسن حرستاني أن “التعليم المهني والتقني في سوريا يركز على تطوير المهارات العملية والنظرية في تخصصات محددة، بهدف إعداد الطلاب لدخول سوق العمل مباشرة بعد التخرج.
وأشارت في تصريح لـ”الحرية” إلى أن القطاع تطور ليشمل تخصصات متنوعة تلبي احتياجات السوق، أبرزها:
– مجال التقنية والهندسة كالهندسة الكهربائية والميكانيكية.
– مجال تكنولوجيا المعلومات: ويشمل البرمجة وتصميم الشبكات لفتت حرستاني إلى المزايا التنافسية لخريج التعليم المهني، والتي تتمثل في الكفاءة العملية العالية والتركيز على التطبيق العملي، ما يمكن الخريجين من أداء مهامهم بكفاءة منذ اليوم الأول. إضافة إلى سرعة الانخراط في سوق العمل بما يوفر فرص عمل مباشرة ويقلل من معدلات البطالة وغالباً ما تكون فرص توظيف أفضل ودخل أعلى و يحصل خريجوه على رواتب أعلى بسبب امتلاكهم مهارات مطلوبة بشدة في السوق.
الصورة النمطية
وفي إطار الجهود الرامية إلى تغيير الصورة النمطية أبرزت حرستاني النجاح الكبير لمشاركة طلاب التعليم المهني في “معرض دمشق الدولي”، حيث قدموا منتجات ومشغولات يدوية وصناعية من إبداعهم، شملت تخصصات النجارة وخياطة الملابس وغيرها.
وشددت على أن هذه المشاركة “كان لها دور كبير في إبراز أهمية التعليم المهني وتشجيع الطلاب على الإنتاج والابتكار”، ما يسهم بشكل فعّال في تطوير المجتمع، خاصة في مرحلة البناء وإعادة الإعمار التي تشهدها سوريا.
وختمت بالقول: يظل التعليم المهني والتقني خياراً إستراتيجياً لسوريا في مرحلة إعادة الإعمار، ورغم التحديات، فإن الجهود المبذولة من قبل الخبراء والمسؤولين، إضافة إلى إنجازات الطلاب الميدانية، تبعث برسالة أمل تؤكد الاستثمار بالعقول.