التعليم والثقافة.. العلاقة الغائبة!.. لماذا الإصرار على الحفظ بدلاً من الفهم والتعبير؟

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – محمد فرحة:
قبل عقود من الزمن كانت أنظمة التعليم في بلدنا تحمل عنوان « وزارة التربية والمعارف»، وكان يومها جلّ النشاطات الثقافية يخرج من المدارس والجامعات، وتسود المناهج شتى أنواع العلوم والمعرفة والثقافة، لدرجة أن أغلب القادة التربويين هم في الوقت ذاته من أهل الفكر والثقافة والقيادات، طه حسين  ومحمد عبده في مصر، وسليم البستاني في لبنان، وعندنا هنا في سوريا الدكتور شاكر مصطفى.
لكن للأسف ومنذ حقبتين من الزمن، لم تعرف مناهج طلابنا بمختلف مراحلهم الاستقرار، وكل تغيير كان نحو الأسوأ، بل ذهب آخرون ليلاحظوا العديد من الأخطاء التاريخية.
ونلاحظ اليوم الغياب المطلق لما يسمى الثقافة في مناهجنا التعليمية بمختلف مراحلها، وبخجل نقول، حتى من القادة  التربويين.

إلى أين تقود أجيالنا؟

وإذا كانت هناك أسباب عدة لضعف قدرات مخرجاتنا التعليمية، قد يكون أحد الأسباب الإدارة التربوية من جهة والتعليمية الصفية من جهة ثانية، والتركيز على قضايا لا تمت للثقافة ولا للعلم والمعرفة بصلة، الأمر الذي أدى إلى جمود  المناهج وابتعادها عن المناهج في الدول الأخرى.

زد على ذلك أساليب التدريس والإصرار على الحفظ والتلقين «البصم»، وإلغاء دور الفهم والتعبير وعدم السماح بالخروج عن النص، وكأن التلميذ أو الطالب يؤدي  عملاً عن نصٍّ مسرحي لا يجوز الخروج عنه.
كل ذلك أبعد، بل غيَّب الجانب الثقافي الذي كان سائداً في الستينيات. وأذكر هنا جيداً أنه في أواخر الستينيات درسنا في المرحلة الابتدائية جغرافية العالم، نعم.. لكن فيما بعد غابت المادة الثقافية كليّاً من مناهجنا تدريجياً، وقد يكون هذا أحد أسباب إنتاج معلمين خريجين، أمسوا  بؤرة أو بلبلة لإعادة إنتاج تخلفنا الثقافي.
فثمن التخلف التربوي كان ولا يزال باهظاً  على الفرد وعلى المجتمع، فإصلاح الفكر يعني إصلاح التربية أولاً، لكونها تؤثر بشكل كبير وفاعل في بناء منظومة القيم  الإنسانية.
المدرّسة رابيا ونوس أوضحت أن مناهجنا الحالية أرهقت الطالب وأرهقت المعلمين أيضاً، ولا توجد فيها قيمة ثقافية.
المدرس يامن عيد أستاذ مادة الجغرافيا في ثانويات مصياف كشف لصحيفة “الحرية”، أن الوضع التعليمي سيئ كما المنهاج، حيث لا يوجد أثر  للمادة الثقافية في المناهج التعليمية، بل ذهب لأبعد من هذا الوصف، إذ بين أن الطالب لا يعرف عن محافظاتنا ما يجب أن يعرفه، فالواقع الاقتصادي الصعب منذ حقبتين أو عقدين من الزمن قد يكون سبباً من مجموعة أسباب.
خاتماً حديثه بالتركيز على بناء الجيل البناء العلمي والفكري في ظل العولمة.

من جانبها، ترى المدرسة روز إبراهيم مدرسة لغة إنكليزية، أنه لعلَّ الجميل من وجهة نظرها أن الطالب أو التلميذ اليوم يمكنه أن يذهب إلى الجامعة وقد يزوَّد  بفيض من اللغة الأجنبية، ما يساعده على فهم العديد من الأمور والمصطلحات.
غير أن ما قالته الآنسة فدوى لولو مديرة معهد آراء كان مغايراً عن بقية الآراء. حيث كشفت أن المناهج لا تخلو من بعض الأفكار الثقافية، لكن ليس على الطالب الركون إليها دون سواها، فبكل تأكيد  المناهج تغيّرت وتبدلت خلال العقدين الماضيين مرات عدة، وخاصة بعضاً منها، ولم يكن هذا التغيير هو الأفضل.
وختمت حديثها بضرورة الارتقاء بالمناهج التعليمية نحو الأفضل من أجل بناء مستقبل واعد للأجيال والوطن.
بالمختصر المفيد: إن قضية المناهج التعليمية والتربية باتت اليوم أخطر من أن تترك للتربويين وحدهم. فالعلاقة بين الثقافة والتعليم والتعليم والثقافة «توءم» متطابق في توليد الطاقة المؤدية إلى تنمية الإنسان والمجتمع في آنٍ معاً.
والحل في إصلاح وإدخال المواد الثقافية  في صميم وصلب المناهج الدراسية، وإصلاح الفكر  يعني إصلاح التربية والتعليم نظراً لدورها المؤثر في بناء منظومة القيم الإنسانية، وخاصة أننا أمام تحولات عولمة متسارعة الخطا وثورة  معلوماتية وذكاء اصطناعي.
وبشكل أوضح تحوّل المعرفة إلى المورد الأغلى والأهم، فلا بدَّ من دعم المناهج التعليمية بالمادة الثقافية، فهي تشكل ازدهارنا الاقتصادي، فلا بد من تعزيز دور المناهج العلمية الثقافية فإصلاح الفكر  من إصلاح التربية.

Leave a Comment
آخر الأخبار