الحرية _ رشا عيسى:
بمجرّد أن يتذكّر السوريون وقائع أعوام من العزلة الدولية التي فرضت عليهم في الحقبة السابقة، وارتداداتها السياسية والاقتصادية مع حرب دمرت البنية التحتية، و أرجعت الاقتصاد الوطني سنوات وسنوات إلى الوراء، يمكن إدراك أهمية العودة إلى الانخراط مع دول العالم من بوابة الأمم المتحدة في نيويورك، وعودة دمشق إلى المحافل الدولية.
وبانتظار قطاف ثمار الجهود المبذولة لإتمام رفع العقوبات عن الشعب السوري ،تتبلور عملياً على الأرض صورة أكثر وضوحاً حول سوريا الجديدة التي من المهم خلال هذه المرحلة أن يكون الشغل الشاغل استغلال الفرصة الاستثناىية، والتركيز على الاستثمار والنمو بشكل شفاف، بحيث يتوازى الجهد السياسي المبذول خارجياً مع العمل الاقتصادي على الأرض.
إعلان عالمي
وكانت كلمة السيد الرئيس أحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80، نقطة بالغة الأهمية سياسياً واقتصادياً، لتكون بمثابة إعلان عالمي لتحول سوريا من دولة معزولة إلى شريك دولي، مع التركيز على رفع العقوبات وإعادة الإعمار كمحركين رئيسيين للنمو.
ومع ذلك، يتطلب النجاح تنفيذاً سريعاً وشفافاً للإصلاحات ،حيث أن الفرصة التاريخية التي ذكرها الرئيس الشرع قابلة للتحقيق، شريطة الدعم الدولي المستمر كما يوضح الخبير في السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والإدارية الدكتور هشام خياط في حديثه لـ( الحرية).
و جاء خطاب الشرع في سياق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، ويعكس تحولًا استراتيجياً نحو إعادة الإعمار والاندماج الاقتصادي العالمي.
محاور رئيسية
و ركز الخطاب على أربعة محاور رئيسية وفقاً لخياط : الإصلاحات الداخلية، العدالة الانتقالية، الدبلوماسية المتوازنة، والاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، كانت الجوانب الاقتصادية محوراً مركزياً، حيث وصف الرئيس الشرع سوريا بأنها تحولت “من بلد يصدر الأزمات إلى فرصة تاريخية لإحلال الاستقرار”، مع التركيز على إعادة البناء الاقتصادي كأولوية وطنية ودولية.ويرى خياط أنه من المهم تقديم رؤية استراتيجية تساعد في فهم كيفية ترجمة الخطاب إلى سياسات اقتصادية مستدامة.
وجاء الخطاب بعد إزالة الولايات المتحدة لـ الـ10 ملايين دولار عن الشرع في مايو 2025، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية عن سوريا في الشهر نفسه. هذا السياق يعكس تحولاً في السياسة الخارجية الأميركية تجاه سوريا الجديدة، ما يفتح أبواباً للاستثمار والتعاون الاقتصادي.
الجوانب الاقتصادية
و ركز الرئيس الشرع على الاقتصاد كركيزة للانتقال من الماضي البائس إلى مستقبل مزدهر، مع الإشارة الصريحة إلى أن سوريا اليوم تعيد بناء نفسها من خلال دولة قانون تحمي الحقوق وتضمن الحريات، ما يجعلها وجهة استثمارية آمنة. ودعا الشرع إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل كامل، معتبراً إياها عائقاً رئيسياً أمام التعافي الاقتصادي ،و وصف العقوبات السابقة (التي امتدت لأكثر من عقد) بأنها خنقت الاقتصاد السوري، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 50%، وتآكل احتياطيات النقد الأجنبي، لتبقى الآثار المتوقعة لرفع العقوبات واسعة وأبرزها، إفساح المجال للوصول إلى الأسواق الدولية، خاصة في قطاعات النفط، الزراعة، والصناعات التحويلية، التي كانت تشكل 70% من الصادرات السورية قبل 2011 ،وفقًا لتقديرات البنك الدولي،كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى نمو اقتصادي بنسبة 4-6% سنويًا في السنوات الثلاث الأولى بحسب خياط.
و أكد الشرع أن سوريا فرصة تاريخية للاستثمار، مشيراً إلى إنشاء لجان للعدالة الانتقالية وتحقيق مصير المفقودين، كخطوات أولى نحو بيئة قانونية مستقرة تجذب المستثمرين.
نظرة تحليلية
وفي نظرة تحليلية للآثار الاقتصادية بعد خطاب نيويورك ،أكد خياط أن الخطاب يعزز الثقة الدولية في سوريا الجديدة، حيث أدى إعلان رفع العقوبات الأميركية بالفعل إلى زيادة الاستثمارات الأولية من دول الخليج (حوالي 5 مليارات دولار في الأشهر الأولى).و يمكن أن يؤدي ذلك إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي من 11 مليار دولار حاليًا إلى 25 مليار دولار بحلول 2030، وفقًا لتقديرات الاقتصاديين.
أما بالنسبة للسلبيات والمخاطر فإن الاقتصاد السوري لا يزال هشاً، مع تضخم يتجاوز 100% وديون خارجية تصل إلى 20 مليار دولار. كما أن التحديات الأمنية (مثل الاعتداءات الإسرائيلية) قد تثني المستثمرين. إضافة إلى ذلك، يحتاج الإصلاح الداخلي إلى دعم فني دولي لتجنب الفساد الذي أضعف الاقتصاد سابقًا.
التوصيات الاستشارية
واقترح خياط الخطوات التالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية: أولاً ،قصيرة الأجل (2025-2026): تشكيل لجنة مشتركة مع الأمم المتحدة والبنك الدولي لمراقبة رفع العقوبات وتوزيع المساعدات، مع التركيز على مشاريع سريعة التنفيذ مثل إعادة تأهيل الموانئ.
و متوسطة الأجل (2027-2028): و إطلاق برنامج استثماري يستهدف 100 مليار دولار من الخليج وأوروبا، مع حوافز ضريبية للقطاعات الزراعية والطاقة.
طويلة الأجل (2029-2030):و دمج سوريا في منظمة التجارة العالمية، مع برامج تدريب لـ500 ألف شاب لتعزيز القوى العاملة.
ونصح خياط بضرورة الشراكات من حيث تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في الطاقة المتجددة، ومع تركيا في التجارة الحدودية، مع مراقبة الامتثال لمعايير مكافحة الفساد.