الجدات كسرن العزلة بالتواصل مع الجيل الجديد عبر السوشيال ميديا

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية -دينا عبد:

ظهرت في الآونة الأخيرة موجة على صفحات التواصل الاجتماعي لنساء تجاوزن الستين من أعمارهن قررن خوض التجربة الرقمية بكل حماس وثقة، ليصبحن وجوهاً مألوفة، فيجمعن بين الحكمة والحنين والبساطة في زمن يتسارع بسرعة الضوء.

قصص قديمة

في سوريا بدأت تبرز أسماء لسيدات وصاحبات خبرة يشاركن يومياتهن ووصفاتهن وقصصهن القديمة على صفحات خاصة بهم عبر الفيسبوك.
بعضهن دخلن المجال عن طريق أبنائهن من خلال فيديوهات يتحدثن فيها عن عاداتهن، ما جعل لهن جمهوراً يطالبهن بالتواجد بكثرة.
أصبحن يحضّرن محتوى عن المطبخ التراثي، وأخريات يتحدثن عن التجارب الحياتية والعلاقات الأسرية، بينما هناك من وجدن في المنصات وسيلة للتعبير عن آرائهن في قضايا اجتماعية بلغة قريبة من القلب، ونصائح لتخطي صعوبات الحياة من تجارب عملية وواقعية.

تحضير موائد الطعام

أم حسام (متقاعدة) بدأت الظهور على السوشال ميديا مرات عدة مع ابنتها وحفيداتها عبر صفحاتهن ولكن بعد إحالتها للتقاعد اتخذت منحى آخر، وكونها مولعة بتحضير موائد الطعام ظهرت عدة مرات وأصبح لها جمهور يطالب أن تبقى على تواصل معهم.
وتبين لـ”الحرية”: منذ فترة قمت بإنشاء صفحة خاصة بي، أنشر عليها طبخات أقوم بتحضيرها، وأتلقى التساؤلات وأجيب عنها عبر خاصية التعليقات التي أفعّلها طوال فترة البث المباشر.

تحديات مع الأحفاد

تروي فاتنة كيف أنشأت لوالدتها صفحة على “إنستغرام” مؤكدة أن والدتها جدة لـ6 أحفاد بأعمار مختلفة، لكن روحها شابة، وتبين أن صفحاتها متنوعة ما بين الطبخ والتحديات مع الأحفاد، وما بين النصائح التي تتحدث عنها مع بنات الجيل والأمهات حديثات التجربة.
وتشير أن والدتها وجدت لنفسها مساحة تتواصل من خلالها مع الناس، فلا تجد وقتاً للملل أو حتى للخروج من المنزل، وتضيف فاتنة قائلة: حياة والدتي اختلفت كثيراً بعد وفاة والدي، فقد تبدل حالها، فسابقاً كانت تشعر بالملل والحزن على غير عادتها، لكن مع انشغالها بعالمها على الفيسبوك شعرت أن طاقتها عادت إلى ما كانت عليه من قبل.

كسر العزلة

الأخصائية الاجتماعية ومدربة تطوير الذات فاتن غباش بينت خلال حديثها لـ”الحرية” أن هذه التجارب المختلفة تلتقي جميعها في رغبة واحدة، وهي كسر العزلة والتواصل مع الجيل الجديد، فالسيدات المتقاعدات على وجه الخصوص يعبرن عن تحول اجتماعي وثقافي عميق في الجيل الذي كان يظن أن التكنولوجيا ليست له، أصبح يستخدمها كوسيلة للتواصل والتعبير واستعادة الدور الاجتماعي، ونحن أمام نموذج جديد من التكيف الإيجابي مع العصر.
مشيرة إلى أن التأثير النفسي لهذه الظاهرة لا يقل أهمية عن بعدها الاجتماعي، فالمرأة الكبيرة في السن، حين تشعر أن صوتها مسموع وأن الناس يتفاعلون مع تجربتها، تستعيد ثقتها بنفسها وتشعر بقيمتها في المجتمع، فهذه الخطوة تقلل من الإحساس بالوحدة وتفتح مجالات جديدة للمشاركة والاندماج.
وبحسب الأخصائية التربوية فاتن غباش، فإن محتوى السيدات المتقاعدات لا يقتصر على الطبخ والذكريات فقط، بل يتناول أيضاً مواضيع عصرية، مثل تربية الأبناء في زمن الإنترنت، أو التعامل مع اختلاف الأجيال، أو حتى نصائح حول الصحة النفسية في مرحلة ما بعد التقاعد.
ومن وجهة نظرها فإن هذه الظاهرة يمكن أن تستثمر ثقافياً وتربوياً فلو تم دعم هؤلاء النساء من مؤسسات ثقافية أو إعلامية، بالتأكيد يمكن تحويل تجربتهن إلى جسر حقيقي لنقل القيم والتراث بطريقة معاصرة، فالسيدة التي كانت تحكي القصص في ليالي الشتاء لأولادها، أصبحت اليوم ترويها عبر صفحتها الخاصة للأحفاد وهذا استمرار طبيعي لوظيفتها الاجتماعية القديمة.
وختمت فاتن غباش بتأكيد أنّ دعم المرأة في هذه المرحلة هي من ثقافتنا الإسلامية، حيث إن جميع الأديان كرّمت المرأة وأشارت إلى قدرها العظيم، ناهيك عن توصية رسول الله محمد بها حين قال (استوصوا بالنساء خيراً) وأسماهنّ بالقوارير من حرصه على شفافيتها ومداومة الاهتمام بها .
ولا شك أن دعمها في هذه المرحلة من العمر ستحد من انتشار الأمراض النفسية التي قد تقودها إلى الاكتئاب أو العزلة، حيث إن إلغاء دورها الاجتماعي في أي مرحلة كانت يمكن أن يعرضها لذلك.

Leave a Comment
آخر الأخبار