الجمعيات الأهلية خط الدفاع الأول لتعزيز الاستقرار الاجتماعي 

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – آلاء هشام عقدة:

برزت الجمعيات الأهلية إلى الواجهة في مرحلة كان فيها المجتمع بأمسّ الحاجة لمن يسانده، لا بخطاب إنشائي ولا بوعود مؤجلة، بل بفعلٍ مباشر على الأرض. فبعد التحرير، لم تعد المبادرات الإنسانية مجرّد عامل مكمّل، بل تحوّلت إلى خط الدفاع الأول عن الاستقرار الاجتماعي في محافظة اللاذقية، حيث تولّت الجمعيات والمنظمات مسؤوليات ثقيلة شملت التعليم، والخدمات، والإغاثة، والعمل البيئي، في واقعٍ فرض على العمل الجماعي أن يكون ضرورة لا خياراً.

لم يكن هذا الحضور وليد المصادفة، بل نتيجة تراكم سنوات من العمل الأهلي الذي وجد نفسه اليوم أمام مسؤوليات مضاعفة، في مجتمع أنهكته الحرب وتركته التحديات الاقتصادية أمام احتياجات متزايدة، تجاوزت قدرة الفرد والأسرة على المواجهة منفردين.

وخلال الفترة الماضية، شهدت محافظة اللاذقية نشاطاً لافتاً وفعّالاً للجمعيات والمنظمات والمؤسسات الخيرية، التي تنوّعت تدخلاتها بين القطاعات التعليمية والخدمية والإنسانية والبيئية، في محاولة لتخفيف الأعباء المتراكمة عن الأهالي، وإعادة ترميم النسيج الاجتماعي، وتعزيز ثقافة التكافل والعمل المشترك.

التعليم… أولوية التعافي

وأوضح محمد قطرون، مسؤول الجمعيات والمنظمات في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، في تصريح للحرية، أن مرحلة ما بعد التحرير شهدت تصاعدًا ملحوظًا في دور الجمعيات، ولا سيما في قطاع التعليم، الذي يُعدّ حجر الأساس في أي عملية تعافٍ مجتمعي.

وبيّن قطرون أن مؤسسات مثل تنسيقية اللاذقية وثمار النصر ودار العطاء وجمعية النصيحة أسهمت في ترميم وتجهيز عدد من المدارس في المحافظة، ما ساعد على تحسين البيئة التعليمية وتأمين عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة ضمن ظروف أكثر أماناً واستقراراً، بعد أن كانت البنية التحتية التعليمية تعاني من تراجع واضح.

ولم يقتصر الدعم على الجوانب الإنشائية، إذ أشار قطرون إلى أن مؤسسات أخرى، من بينها طوق الياسمين ودار العطاء، نفّذت دورات تدريبية ومنحًا تعليمية، إضافة إلى تدريبات شهرية مجانية، هدفت إلى تنمية مهارات الطلاب ودعم العملية التعليمية، ولا سيما في ظل تراجع القدرة المادية للأسر، وارتفاع تكاليف التعليم.

الخدمات… استعادة الحد الأدنى من الحياة اليومية

في الجانب الخدمي، لعبت الجمعيات دوراً أساسياً في تحسين المشهد العام للمدينة، حيث أسهمت جمعيات مثل موزاييك ونعمة ونحن إنسان في ترميم وتجهيز الحدائق العامة، لتعود مساحات تنفّس حقيقية للأهالي، ولا سيما للأطفال وكبار السن.

كما قامت جمعية النصيحة بإنارة عدد كبير من طرقات مدينة اللاذقية، في خطوة لم تنعكس فقط على تحسين الواقع الخدمي، بل أسهمت بشكل مباشر في تعزيز السلامة العامة، والحد من المخاطر، ورفع مستوى الشعور بالأمان لدى المواطنين، خاصة خلال ساعات الليل.

الحرائق… اختبار العمل الجماعي

وخلال واحدة من أصعب المحطات التي شهدتها المحافظة، والمتمثلة بحرائق الغابات الواسعة، برز الدور الحاسم للمنظمات غير الحكومية، حيث تحوّل العمل الأهلي إلى عنصر دعم أساسي في الاستجابة السريعة.

وأشار قطرون إلى أن منظمات مثل سيريا ل وشفق وتكافل الشام وهيئة الإغاثة الإنسانية (IYD) قدّمت دعماً لوجستياً مهماً، شمل تأمين مادة المازوت لآليات الدفاع المدني، ما ساهم في استمرار عمليات الإخماد في ظل ظروف بالغة الصعوبة.

كما قامت مؤسسات وجمعيات أخرى، من بينها مؤسسة فرح والمشروع السابع وجمعية إحياء، بتأمين مستلزمات طبية طارئة، شملت الشاش وأسطوانات الأكسجين، فيما أنشأت جمعية الزهراء نقاطاً طبية جوالة في مناطق الحرائق، لتقديم الإسعافات الأولية للمتضررين.

إلى ذلك، ساهمت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري في تأمين صهاريج المياه للمشاركة في عمليات الإخماد، إضافة إلى إقامة نقاط طبية في مواقع متفرقة من مناطق الاستجابة، في مشهد عكس أهمية التنسيق بين العمل الأهلي والجهات المعنية خلال الأزمات.

دعم العملية التعليمية

رئيس مجلس إدارة مؤسسة صلة الإحسان باللاذقية الشيخ يوسف البظم بين لـ “الحرية” أن المؤسسة عملت ضمن خطة عمل إنسانية لدعم التعليم، من خلال توزيع كتب مدرسية على عدة مدارس، لسد النقص الحاصل في الكتب المدرسية من خلال مبادرة أولادنا أكبادنا، وتوسيع نطاق المشاريع الخيرية في مختلف المجالات وكان لها دور بارز  بالإضافة لتوزيع ألبسة لحفظت القرآن الكريم في جامع بساتين الريحان، وتقديم فعاليات متنوعة للأطفال والكبار بمناسبة ذكرى التحرير في المتحف الوطني.

البيئة… وعي جديد يتشكّل

وفي بعد لا يقل أهمية، برز العمل البيئي كأحد أشكال المسؤولية المجتمعية، حيث نفّذ فريق شراع الخير حملات توعية ومبادرات نظافة وتأهيل للشواطئ، ولا سيما في منطقة أوغاريت.

وأشار مؤسس الفريق براء علاف إلى أن هذه المبادرات تهدف إلى ترسيخ ثقافة الحفاظ على البيئة، ورفع مستوى الوعي بأهمية الشواطئ كمورد عام وضروري لصحة الإنسان ورفاهيته، مؤكداً أن التعافي المجتمعي لا يكتمل دون هذا البعد البيئي.

الجانب الإنساني والاجتماعي… كفالة الأمل

واصلت جمعية فلوكا نشاطها الخيري من مبادرة بيت اللباس، حيث أوضح رئيس الجمعية أحمد غزول أن برامج الجمعية تركز على المطابخ المجانية وكفالة اليتيم، لتأمين الحد الأدنى من الأمان الغذائي والاجتماعي للأسر الأكثر هشاشة، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

ويؤكد هذا الحراك الأهلي المتصاعد أن الجمعيات والمنظمات لم تكن مجرد جهة مساندة، بل شريكاً حقيقياً في حماية السلم الاجتماعي، وتعزيز مفهوم العمل الجماعي، ودعم مسار التعافي والاستقرار في محافظة اللاذقية، في مرحلة تتطلب تضافر كل الجهود للحفاظ على الإنسان وكرامته.

.

Leave a Comment
آخر الأخبار