الحرية – هيثم صالح:
ما كان بالأمس القريب بعيد المنال عند بعض المتفائلين، ومستحيلاً عند البعض الآخر أصبح اليوم واقعاً تعد له الطاولة وتُهيأ لإقامته الظروف الموضوعية وتجتمع لسبر الآراء حوله اللجان المختصة، وماهي إلا أيام قليلة حتى تدق ساعة الصفر لانطلاقه، إنه الحوار الوطني السوري الذي طال انتظاره.
من الطبيعي أن نقول ذلك لأنه على مدار ستين عاماً مضت لم يختبر أحداً ممن عايشو تلك المرحلة مسألة الحوار وأهميته لإصلاح الدولة والمجتمع والمؤسسات، ولتأسيس عقد اجتماعي يتساوى فيه جميع أبناء سورية في الحقوق والواجبات، وتنتهي فيه الغايات الشخصية والمصلحة الذاتية لتحل محلها مصلحة المجتمع ومنفعة الدولة.
في زمن الديكتاتوريات تموت الحريات وتضمحل فرص الإبداع والابتكار وتلغى الآراء ويصبح المجتمع أشبه بالقطيع الذي يسير خلف الراعي بلا معرفة أو بصيرة، قدره مرتبط بقدر الراعي فإن وفق هذا الأخير باختيار الطريق الصحيح نجا القطيع وإن جرى العكس فالضياع والهلاك مصير محتوم.
هكذا كنا في سورية خلال الستين عاماً الماضية في زمن الديكتاتورية وحكم الفرد وغياب الديمقراطية وحرية الرأي، حتى أصبحت المعارضة تهمة ترقى إلى مستوى الخيانة، والاختلاف بالرأي عصيان، والإبداع لتحسين الواقع هرطقة تستوجب العقاب والإقصاء، فساد الجمود وكثر المطبلون والمزمرون وعلا شأن المنافقين وماسحي الأكتاف ومزوري الحقيقة ومقربي البعيد ومبعدي القريب وغدا الخروج من هذه الدوامة أشبه بالحلم حتى جاءت الثورة فأوقفت كل ذلك وأيقظت الناس من كابوس طال أمده.
قيادة سورية الجديدة تضع في رأس أولوياتها اليوم بعد توفير الأمن والخدمات الأساسية قدر الإمكان الحوار الوطني وتؤكد على لسان مسؤوليها بأن جميع السوريين معنيون ولن تقصي فئة أو شريحة منهم وهي حريصة على إنجاح هذا الحوار والوصول إلى النتائج التي ترسم مستقبل سورية وتحدد شكل الدولة والحكم والدستور لسنوات قادمة.
بالمحصلة، ما يأمله السوريون ممن يفترض أن يمثلونهم على طاولة الحوار لإنجاز هذا الاستحقاق، المهم جداً بل المصيري أن تكون غايتهم الاولى والأخيرة هي العمل على رسم خريطة طريق لمستقبل مشرق لسورية قائم على العدل والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص وأن تتحدد قيمة الفرد فيه بما يقدمه من خدمات للمجتمع تساهم في رقيه وازدهاره وأن تكون المصلحة الفردية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالمصلحة الجمعية، فالحوار القادم كما نراه ويراه كل سوري من أقصى هذا الوطن إلى أقصاه فرصة تاريخية يجب على الجميع اغتنامها.
الحوار الوطني.. فرصة يجب اغتنامها

Leave a Comment
Leave a Comment