الخطير والأخطر على سوريا

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

ناظم عيد – رئيس التحرير:
خطيرٌ أن تنحدرَ المداولات في أي دولة وفي أوساط أيِّ شعب على أيِّ مستوى، إلى درك الحديث عن نزعاتٍ انفصالية بأشكالها كافة مهما كانت المسميات..خطيرٌ لو كان الأمر مجرّد مراوداتٍ و مونولوج داخلي ذاتي شخصي، فكيف إن تطورت التناذرات إلى حدِّ الإفصاح وجرأة المساس بما هو بالفعل “محرّمات ” في الأعراف و الأدبيات الوطنيّة ؟
وربما يعي السوريون – كلُّ السوريين – أنّ ما يتسلل اليوم من الأروقة المعتمة في الداخل، مشفوعاً بتلويحاتٍ خارجية، يضعهم في عمق تحديات سقوط و ارتهانٍ وانهيارٍ مصيرية غير مسبوقة.. وبدقة على طريقة “نكون أو لا نكون”، و العقلاء – وهم كثرٌ في هذه البلاد الطيبة – يدركون أنَّ الدولَ والشعوب لا يمكن أن تُختَصرَ بمصالح ضيقة لأفراد باحثين عن الامتيازات، ولا بظرف طارئ ولا بضائقة مالية، وإن كانت مثل هذه الهنَّات فتيلاً جاهزاً للإشعال و “الاستثمار البغيض” من قبل قوى خارجية يطلق مسؤولوها تصريحاتٍ تشبه تجشؤاتِ مابعد الوجبات الدسمة، ويدفعون من يلزم في أتون دوامة تخلٍّ خطيرة..
وإن كانت المظاهراتُ و ردَّات الفعل الوطنية الطيبة أمس في السويداء وطرطوس، على سعار أطلقه من لم يتأبط يوماً إلّا الشر بسوريا، تعكس حالة الوعي الشعبي الراسخة لمفهوم الدولة الوطنيّة، فإنّ الأهم ألّا نكتفي جميعاً بإعلان رفض الأجندات الخارجية المدمِرة، بل ثمة نشاطٌ مجتمعي – مؤسسات و مجتمع أهلي – مطلوبٌ اليوم بإلحاح لتعزيز مفهوم الشعب الواحد في دولة واحدة اسمها سوريا ذات السيادة والقرار، وهذا يملي معالجةَ الكثير من التفاصيل التي هي عادةً مكمنُ الشيطان.
لكن ما يجب الوقوف عنده بكثير من الاستغراب، صمت الأصدقاء عما يجري من محاولات عبث خارجي بمصير سوريا الدولة، و تحفّظ الكثير من الدول التي باركت التحوّلَ العميق في هذا البلد، وعدم التعبير عن رفضها لمحاولات الاستباحة الحمقاء له إن بتصريح أو ممارسات على الأرض، و بصراحة شرع كل السوريين بتحري ردود فعل الكثير من الأشقاء العرب.. و مواقف الأوروبيين أيضاً، وكانت نتائج التحري مخيبةً بالفعل.
الجانب الآخر والأهم الذي قد بات مطرح تساؤلاتٍ يومية ولحظية لكل السوريين، لماذا لا تبادر الدول الصديقة إلى دعم الاستقرار ومعاودة انطلاق الشعب السوري نحو المستقبل الذي تمّ التوافق عليه ويمكن تلخيصه بمخرجات الحوار الوطني أمس، وكلها مخرجات ليست بجديدة بل سبقتها مقدمات كثيرة في السياق ذاته، وتوافقات تمت بلورتها أمس..لماذا لا يتلقى الشعب السوري جرعاتٍ ماليةً حقيقية من الأصدقاء لا تشكل أعباءً تذكر عليهم، لكنها ذات أثر عميق في بلد يعاني اقتصادُه الانهيارَ ومؤسساتُه الإفلاسَ وشعبُه الفقرَ المتراكم منذ سنين طوال ؟
لم تعد المواقف البروتوكولية تجدي في الظرف السوري الصعب، إذ لابدّ من تدفقات مادية تمكّن مؤسسات سوريا الجديدة، و تبطل مفاعيل من يلهون بالضرب الموجع على الخواصر الضعيفة.

Leave a Comment
آخر الأخبار