الدكتور سعدالله آغا القلعة… مصباحٌ من النور ينطفئ في سماء الموسيقا العربية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- جواد ديوب:

صعبٌ جداً اختصار مسيرة الراحل الدكتور المهندس سعد الله آغا القلعة الباحث والموسيقيّ (عازف القانون) ووزير السياحة الأسبق عن فئة المستقلين في سورية من عام ٢٠٠١ حتى ٢٠١١، والذي رحل أمس الأحد ٢٧ نيسان في كاليفورنيا بعد صراع مع المرض.

الراحل عاش حياة مديدة ثرّة حقق خلالها (٣٠٠ ساعة بث تلفزيوني) وأطلق مشروعه (كتاب الأغاني الثاني كموقع إلكتروني يحتوي على شروحاته الموسيقية مدعّمة بمقاطع سمعية بصرية نادرة) محللاً وشارحاً فيه قوالب القدود الحلبية، ونسخة نادرة من موشح لأبي خليل القباني سجلتها إذاعة حلب عام ١٩٥١؛ وتجارب عبد الوهاب وسيد درويش وأم كلثوم والرحابنة وغيرهم، ومتفاعلاً مع جمهور عربي ضخم من متابعيه بالرد على تساؤلات تتعلق بمآلات الموسيقا العربية، ومنوهاً في دراسة له عام ٢٠١٧ بتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الموسيقا واحتمالية تحولها من إبداع إنساني إلى مجرد نشاط بشري مدعومٍ ببديلٍ تكنولوجي!

مصباحٌ شعشاع!
الباحث والموسيقي جمال عواد يحدث صحيفة الحرية عن تجربته مع الراحل، ويقول:
بدايات تواصلي مع الدكتور الراحل كانت نقاشاً حول مقام أغنية “شال” للرحابنة، وكنت من الرأي القائل إنها من مقام العجم معتمداً على روح الأغنية، وهو يعدّها من “مقام الكرد” معتمداً على طريقته المميزة في حساب أبعاد النوتات فيها وركوزاتها أو استقرارها، وقد أبدى إعجابه بطريقتي التي تعتمد على المعنى والعاطفة المخزونة في اللحن؛ الطريقة التي طالما رسخها في حديثه عن جماليات الغناء العربي ولزومياته.

احتكاكي الثاني معه كان ضمن مشروعه “تطوير الموسيقا العربية” حيث دعا إلى مسابقة ضخمة لجميع الموسيقيين والشعراء من الدول العربية ليلحنوا على نمط زمن النهضة الموسيقية العربية، وشاركت أنا بقصيدة عن الأم حسب شروط التنوع المقامي والإيقاعي، وتناسبه مع الكلمات.
عوّاد يشير إلى أنّ الدكتور آغا القلعة عمل تأريخاً دقيقاً بلقائه عظماء الموسيقيين والفنانين ومعاصرته لهم، ومزج في شروحاته وتحليلاته الموسيقية لأعمالهم بين تقنيات إلكترونية مع تحليل علمي وموسيقي يلحظ التقاطعات والتشابهات والتجديدات، وكان يرى أنّ العصر الذهبي للموسيقا العربية هو من بدايات القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين، ثم بدأت الموسيقا العربية برأيه تُطعّم بأنواع موسيقية عالمية، وتفقد هويتها.

وبالإضافة إلى كونه عازفاً مميزاً على آلة القانون شارك مثلاً الراحل صباح فخري في حفلة نادرة بباريس.. كان مهتماً بغنى استخدام الموسيقا العربية للآلات وتنوع المقامات وتفرعاتها كنقطة جوهرية وقوية فيها، رغم أنها إشكالية للدارسين الأكاديميين.

كنت أنتبه لكلامه -الكلام للباحث عوّاد- في تحليل نوتات ألحان عبد الوهاب مثلاً وتمازجها مع الكلام المكتوب تصاعداً وهبوطاً كما في أغنية “لا تكذبي” وكيف جعل اللحن ينزل تدريجياً من نوتة إلى أخرى حسب تتابع الكلمات من أعلى الجسد إلى أسفله (عيناكِ في عينيه في شفتيه في كفيه في قدميه).. هذه التفاصيل اللماحة الذكية كان يظهرها للناس عموماً وللسوريين خصوصاً، مجاناً وبجهود شخصية جبارة، لنشر الثقافة الموسيقية وتعزيز هويتهم وثقتهم بثقافتهم العربية.

الأستاذ جمال عواد يختم كلامه بتأثر: “كان الدكتور سعدالله آغا القلعة مصباحاَ منيراً شعشع في سماء الموسيقا العربية، وحتى في عمله كوزير للسياحة، ومشاركاته بمؤتمرات الموسيقا العربية في القاهرة.. ورحيله شكل ضربة مؤلمة لأجيال تربت على أفكاره ومنهجيته رغم وجود إرثه الغني الذي نخاف عليه من الضياع ما لم يتم حفظه وأرشفته والاستمرار فيه من قبل محبيه.

جدير بالذكر أن الفقيد كان أستاذاً في كلية الهندسة في جامعة دمشق. حاز عبر مسيرته على الميدالية الذهبية كأفضل مقدم برامج تلفزيونية في عام 1996 في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وعلى جائزة زرياب في الموسيقا في عام 2016.

Leave a Comment
آخر الأخبار