الدوحة توحّد الصف.. والرئيس الشرع يختصر الموقف

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:
في زمنٍ تتزاحم فيه الخطب الطويلة على المنابر، وتغرق القاعات في بحور الكلمات، جاءت كلمة الرئيس أحمد الشرع في القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة لتثبت أن قوة الرسالة لا تُقاس بعدد دقائقها، بل بعمق معناها ودقة توقيتها.
خمسون ثانية فقط كانت كافية لتترك بصمة سياسية وأخلاقية، وتعيد التذكير بأن المواقف المبدئية لا تحتاج إلى استعراض، بل إلى وضوح وشجاعة.
القمة التي التأمت في العاصمة القطرية أمس، لم تكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل محطة استثنائية في لحظة إقليمية فارقة، العدوان الإسرائيلي على قطر، وهي الدولة التي لعبت دور الوسيط في أصعب الملفات، شكّل صدمة سياسية وأخلاقية، ليس فقط لأنه استهدف أرضاً عربية آمنة، بل لأنه وجّه رصاصه نحو المفاوض والوسيط، في سابقة تكشف حجم الانفلات الإسرائيلي من أي التزام بالقانون الدولي أو الأعراف الدبلوماسية.

صرخة في وجه التاريخ

الرئيس الشرع، الذي اعتلى المنصة في قاعة القمة، لم يذهب إلى التفاصيل ولا إلى لغة الأرقام، بل اختار أن يضع إصبعه على جوهر القضية عندما قال وأوضح: «من نوادر التاريخ أن يُقتل المفاوض، ومن سابقة الأفعال أن يُستهدف الوسيط»، جملة تختصر مأساة اللحظة، وتفضح منطق القوة الغاشمة التي ترى في الحوار تهديداً، وفي الوساطة عقبة أمام مشروعها التوسعي.
لكن الشرع لم يكتفِ بالتوصيف، بل ربط بين ما جرى في الدوحة وما يجري في غزة وسوريا منذ أشهر طويلة، ليؤكد أن العدوان الإسرائيلي ليس حدثاً معزولاً، بل سلسلة متصلة من الانتهاكات التي تستهدف كل من يرفض الخضوع لمنطق الاحتلال.

وحدة الأمة.. المعادلة التي لا تبلى

في كلمته القصيرة، استحضر الرئيس السوري معادلة تاريخية يعرفها العرب جيداً: «ما اجتمعت أمة ولمّت شملها إلا وقد تعاظمت قوتها، وما تفرقت أمة إلا وقد ضعفت»، ليست هذه مجرد حكمة، بل تحذير من أن التشرذم هو الهدية الأكبر التي يمكن أن تُقدَّم للعدو.
ولمزيد من الإيحاء، استشهد الشرع ببيت شعري جاهلي لعمرو بن برّاقة الهمداني يقول فيه: «متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارماً – وأنفاً حميّاً تجتنبكَ المظالمُ» بيت يختصر فلسفة القوة المتوازنة بين العقل والسيف، بين الحكمة والقدرة على الردع، وهي المعادلة التي تحتاجها الأمة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

قمة على وقع الغضب والتضامن

والدوحة، التي وجدت نفسها فجأة في قلب الاستهداف، تحولت أمس إلى عاصمة للتضامن العربي والإسلامي، أكثر من خمسين دولة حضرت، وبيان ختامي من 25 بنداً أكد على الدعم المطلق لقطر وسيادتها وأمنها، ورفض العدوان الإسرائيلي بكل أشكاله، من الإبادة الجماعية في غزة إلى الحصار والتجويع والاستيطان.
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته الافتتاحية للقمة، وصف العدوان بالغادر والجبان، محذراً من أوهام الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وداعياً إلى إجراءات عملية لمواجهة الغطرسة، فكانت رسالته واضحة: قطر لن تنكفئ، وستدافع عن سيادتها بكل الوسائل المشروعة.

ما وراء الكلمات

وبالعودة لكلمة الشرع نجد أنه من اللافت في الكلمة أنها لم تكن دفاعاً عن قطر فقط، بل كانت دفاعاً عن مبدأ، فاستهداف الوسيط هو رسالة لكل دولة أو جهة تفكر في لعب دور إيجابي في النزاعات: إن ثمن الحياد النزيه قد يكون باهظاً، ومن هنا، فإن تضامن سوريا مع قطر لم يكن مجاملة دبلوماسية، بل اصطفافاً في معركة أوسع ضد منطق القوة العمياء.
كما إن قصر الكلمة حمل دلالة أخرى: في زمن الضجيج، الصمت المدروس والكلمة المقتضبة قد تكون أبلغ من الخطب المطولة، الشرع بدا وكأنه يقول: «لسنا بحاجة إلى تكرار ما تعرفونه، بل إلى تذكيركم بما يجب أن تفعلوه».

رسائل إلى الداخل والخارج

وهكذا تكون كلمة الشرع حملت رسائل إلى الداخل والخارج، حيث دعوة صريحة للداخل للوحدة، ليس كشعار بل كخيار وجودي. وإلى الخارج، كانت الرسالة أن العرب، رغم خلافاتهم، قادرون على الاصطفاف عندما تُمس سيادة أي دولة منهم.
أما إلى إسرائيل، فالرسالة كانت مزدوجة، فحواها أن استهداف قطر لم ينجح في عزلها، بل وحّد الصفوف حولها، وأن منطق القوة لن يوقف مساعي السلام، بل سيجعلها أكثر إصراراً على كشف زيف الرواية الإسرائيلية أمام العالم.
وستظل القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة تُذكر ربما ببيانها الختامي، وربما بخطابات قادتها، لكن ما سيبقى في الذاكرة هو أن خمسين ثانية كانت كافية لتلخيص الموقف، وتكثيف المعنى، وإشعال النقاش.
لقد أثبتت كلمة الرئيس أحمد الشرع أن السياسة ليست سباقاً في طول الكلام، بل في قوة الموقف، وأن الأمة، إذا ما جمعت قلبها الذكي وسيفها الحامي، تستطيع أن تجتنب المظالم، وتفرض احترامها على العالم.

Leave a Comment
آخر الأخبار