الزعرور… كنز بريّ في جبال اللاذقية يقاوم أمراض العصر ويُنعش الطب الشعبي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران:

في قلب الريف الجبلي لمحافظة اللاذقية، حيث تتعانق أشجار السنديان والصنوبر مع الضباب الصباحي، يطلّ نبات الزعرور كأحد الكنوز الطبيعية المهملة رغم غناه الدوائي وأثره العميق في تقاليد الطب الشعبي.
تنبت أشجار الزعرور بين الصخور وفي أطراف الغابات، حيث تحتفظ لنفسها بموقع ثابت في الذاكرة الريفية، وتُقطف ثمارها الحمراء الصلبة مع نهايات الصيف، حين يعتدل النسيم وتغدو الجبال أكثر صفاءً.

إرث شعبي واعتراف علمي

عرف الأهالي الزعرور منذ أجيال، لا بوصفه مجرد نبتة برية، بل كعلاج موثوق لأمراض القلب والهضم والقلق، مستمدين تلك المعرفة من الإرث الطبي التقليدي الذي توارثوه، واليوم يعيد الطب الحديث التقدير لهذه العشبة، إذ كشفت الدراسات العلمية أن خلاصة الزعرور تملك خصائص دوائية فعالة في تحسين أداء القلب، وتنظيم ضغط الدم، وتقليل نسبة الكوليسترول، فضلاً عن تأثيراتها المهدئة للجهاز العصبي.

دعم للقلب وليس بديلاً من الدواء

في هذا السياق، بيّن الاختصاصي في الأمراض الداخلية الدكتور إدريس سليمان لصحيفتنا “الحرية” أنّ الزعرور يحتوي على مركبات الفلافونويد والبروأنثوسيانيد، وهي مواد تُحسّن من تدفّق الدم وتُقوّي عضلة القلب وتُخفّف من أعراض قصور القلب الخفيف إلى المتوسط. مشيراً إلى أنّ الزعرور لا يُعدّ بديلاً من العلاج الدوائي، لكنه يمكن أن يُدمج معه بعد استشارة طبية دقيقة.

مضادات أكسدة وأمل واعد

أما الدكتور خالد بركات المختص في النباتات الطبية والغذائية أكّد في حديثه “للحرية” أنّ نبات الزعرور السوري، خاصة النوع المعروف بـ”Crataegus monogyna”، غني بمضادات الأكسدة الطبيعية التي تُسهم في حماية الأوعية الدموية، مبيناً أنّ الأبحاث الحديثة أظهرت قدرته على تثبيط الإنزيمات المسؤولة عن ارتفاع الضغط وتنظيم نبض القلب.

تزايد الطلب وتجارب مجتمعية

العطار أبو عماد الذي يمتهن العطارة في سوق العطارين باللاذقية أكد أنّ الزعرور منذ أكثر من ثلاثين عاماً بات يحظى بطلب متزايد في السنوات الأخيرة، لاسيما بين كبار السن الذين يستخدمونه على شكل مغلي أو منقوع لتقوية القلب وتحسين الهضم. وأضاف إنّ أوراق الزعرور تُخلط أحياناً مع أعشاب مهدئة كالبابونج والمليسة لعلاج الأرق والتوتر.

تجارب حيّة مع الزعرور

في خضم الحديث العلمي والطبي، لا يغيب صوت الناس العاديين ممن اختبروا فوائد الزعرور في حياتهم اليومية حيث تقول السيدة أم وليد وهي من سكان قرية بيت جبور في ريف الحفة، إنّها اعتادت غلي ثمار الزعرور المجففة لزوجها الذي يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، موضحة أنّها لاحظت تحسناً في نومه وانتظاماً في نبضه بعد أسابيع من الاستخدام المنتظم. وتضيف “كنت أسمع من أمي وجدتي أن الزعرور يقوّي القلب، واليوم أرى ذلك بعيني”.

من جهته يروي الشاب أحمد قسومة، وهو في الأربعينيات من عمره ويعمل في مجال البناء، أنّه لجأ إلى شرب منقوع الزعرور بعد نوبات قلق وأرق تكرّرت لديه في السنوات الأخيرة، قائلاً: “لم أعد أحتمل المنوّمات، فنصحني أحد كبار السن بشرب الزعرور مع المليسة مساءً، ومنذ ذلك الحين لم أعد أستيقظ مفزوعاً كما في السابق”.

وأشارت السيدة نوال إبراهيم، وهي معلمة متقاعدة من بلدة صلنفة إلى أنّها تستخدم الزعرور المجفف بشكل يومي تقريباً، إما كمغلي صباحي أو ضمن خلطات عشبية، مشيرة إلى أنّها بدأت بتناوله للوقاية بعد سماعها عن فوائده القلبية من برنامج إذاعي متخصص، وأضافت: “الطبيعة أعطتنا هذا الكنز مجاناً، فكيف نهمله؟”.

تحذيرات ضرورية

غير أنّ بعض التحذيرات تفرض نفسها في ظل الاستخدام العشوائي. فقد نبّه الدكتور إدريس من إمكانيّة حدوث تداخل دوائي بين الزعرور وبعض العقاقير القلبية مثل الديجوكسين أو مضادات التخثر، وهو ما يتطلب إشرافاً طبياً دقيقاً لتفادي أي مضاعفات محتملة، خصوصاً لدى المرضى المزمنين أو من يستخدمون أكثر من دواء في آنٍ واحد.

جسر بين الماضي والمستقبل

يبقى الزعرور في اللاذقية، كما في سائر المناطق الجبلية السورية، نبتة تجمع بين الجمال والفائدة، تتمايل أغصانه في مهب الرياح كأنها تهمس بحكمة الأجداد، وتذكّرنا بأن الطبيعة لا تزال تحمل في طياتها علاجاً لأمراض العصر.
وبين طبٍ شعبي يستقي من الجذور، وطبٍ حديث يؤكّد تلك الفوائد بالأرقام، يبدو الزعرور أقرب إلى أن يكون جسراً بين الماضي والمستقبل.

Leave a Comment
آخر الأخبار