الحرية – باسمة اسماعيل :
تبرز أرياف الساحل السوري – من جبال ريف اللاذقية الشمالي في سلمى وكنسبا وجبل الأكراد وجبل التركمان، إلى السهول والوديان في جبلة والقرداحة والحفة – كمناطق واعدة للاستثمار والتنمية، لا فقط كجهات تحتاج إلى مساعدات أو تبرعات مؤقتة.
اليوم، لم يعد كافياً إطلاق مبادرات خيرية أو حملات دعم موسمية، المطلوب هو إطلاق مشروعات اقتصادية وتنموية واستثمارية مستدامة، تعيد للريف مكانته كمصدر إنتاج واستقرار وازدهار.
من المساعدات إلى الاستثمار تغيير المفهوم
لأعوام طويلة، كانت الجهود المبذولة تجاه الريف تتركز على المساعدات أو المبادرات الأهلية الفردية، التي رغم أهميتها، بقيت غير كافية أو مستدامة، واليوم وفي ظل توافر بيئة طبيعية خصبة وطاقات بشرية واسعة في ريف الساحل السوري، بات من الضروري الانتقال إلى مفهوم الاستثمار التنموي الذي يخلق مشروعات حقيقية توفر فرص العمل وتولد دورة اقتصادية مستمرة.
وفي هذا الصدد، أوضحت لصحيفتنا “الحرية” خبيرة اقتصاد وتنمية ميساء محمود، أن المطلوب اليوم ليس دعماً عاطفياً للريف، بل خطط عملية للاستثمار فيه، فهذه المناطق تملك كل ما تحتاجه لإنجاح مشروعات زراعية وسياحية وصناعية صغيرة ومتوسطة، ولا ينقصها سوى التمويل والرؤية الواضحة.
فرص استثمارية في ريف متنوع وغني
وأضافت: يمتاز ريف الساحل السوري بتنوع جغرافي فريد: السهل ملائم للزراعة المكثفة والبستنة، الجبال تفتح آفاقاً للاستثمار في السياحة البيئية والزراعة الجبلية، الوديان والغابات تمثل وجهات طبيعية غير مستثمرة سياحياً حتى اليوم.
من جهته بين المهندس الزراعي محمد أحمد، لدينا في ريف جبلة مساحات خصبة تهمل لمصلحة الزراعات التقليدية، بينما يمكن إدخال زراعات بديلة عالية القيمة كالزعفران، واللوز، والنباتات الطبية، المطلوب فقط دعم منظم وتدريب وشراء مضمون.
سياحة ريفية غير مفعلة الفرصة الضائعة
ولفت فراس وردة مهتم بالشأن السياحي، إلى أن الساحل السوري ليس فقط مكاناً للزراعة، بل أيضاً بيئة سياحية واعدة، فالمناطق الريفية، من الينابيع والغابات، إلى الإطلالات الجبلية، مرشحة لتكون مقاصد للسياحة البيئية والداخلية، لكن غياب البنية التحتية، وعدم وجود مشروعات استثمارية سياحية، ترك هذه الكنوز الطبيعية مهجورة أو مستهلكة بشكل غير مدروس، وهنا تبرز الحاجة لمشروعات مثل، بيوت ضيافة ريفية، مزارع سياحية، مسارات بيئية، مطاعم شعبية محلية.
مازن إبراهيم مستثمر في السياحة الريفية، أشار إلى أن هذه السياحة تحتاج إلى تسهيلات تشجيعية وليس مجرد موافقات، هناك فرص حقيقية للاستثمار في القرى، لكن دون كهرباء ولا طرق محدثة، يصعب البدء.
الزراعة الذكية والتصنيع الغذائي القيمة المضافة
وبيّن م. محمد أنه في ظل أزمة المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج، تبرز الزراعة الذكية والعضوية كبديل قابل للتطبيق في الريف الساحلي، مع إمكانيات كبيرة لنجاح مشروعات تصنيع غذائي صغيرة قائمة على محاصيل محلية مثل، زيت الزيتون، المربيات والمجففات، الأعشاب الطبية، العسل الطبيعي، وكلها منتجات يمكن تصديرها أو تسويقها محلياً إذا ما تم إنشاء سلاسل إنتاج وتسويق محلية مدعومة.
الشباب من اليد العاملة إلى أصحاب المشروعات
وترى الخبيرة ميساء أن أكبر طاقة غير مستثمرة في الريف هي الشباب، فهم لا ينقصهم الحماس ولا الأفكار، بل ينقصهم التمويل الصغير، والتدريب، وربطهم بالسوق، مشروعات ريادية صغيرة كـ: تربية النحل، تربية دواجن عضوية، مشاتل زراعية، تدوير مخلفات زراعية، أعمال حرفية ومنزلية، يمكن أن تتحول إلى مصادر رزق ثابتة بدلاً من الأعمال الموسمية مثل قطف الغار أو الاحتطاب، أو عقود موسمية أو أعمال حرة تستنزف جهدهم، حسب قولهم، من دون تحقيق استقرار مادي واجتماعي.
دور الدولة والمجتمع شراكة لا بديل عنها
ونوهت ميساء بأن نجاح أي خطة تنمية ريفية، لا يمكن أن يعتمد فقط على المواطنين أو الجمعيات الأهلية، الدعم الحكومي الجاد والحقيقي هو الأساس، من خلال تقديم قروض تنموية بدون فوائد أو بفوائد رمزية، تسهيل التراخيص للمشروعات الريفية، تحسين البنية التحتية في القرى المستهدفة، تشجيع المستثمرين من أبناء المنطقة أو المغتربين.
وتابعت: في المقابل، تبقى الجمعيات الأهلية والمجتمع المحلي شريكاً فاعلاً في التنفيذ، لا مجرد متلق للدعم.
من التهميش إلى التنمية قرار لا بد منه
وأوضحت أن تنمية ريف الساحل السوري هي ضرورة وطنية وليست ترفاً إنمائياً، فبناء مشروعات حقيقية في الزراعة والسياحة والصناعة الصغيرة، سينتج عنه عودة المهجرين إلى أراضيهم، خلق فرص عمل مباشرة، تنشيط الاقتصاد المحلي، التخفيف عن المدن المكتظة، تعزيز الاستقرار الاجتماعي.
وأضافت: إنه الوقت المناسب للانتقال من فكرة “دعم الريف بالتبرعات” إلى “تمكين الريف بالاستثمار والمشروعات المستدامة”.
فمن هنا تبدأ النهضة ومن الريف تبنى الدولة.