الاحتراق الوظيفي وغياب الشغف ظاهرة مهنية تصيب 82% من الموظفين عالمياً

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية– بشرى سمير:
غالباً ما يعاني الموظفون من حالة التعب والملل الوظيفي وعدم الرغبة في إنجاز أي مهمة والتي تعد أحد أنواع الضغط المرتبطة بالعمل، وينطوي على الشعور بالإرهاق جسدياً أو عاطفياً.
وهذه الحالة تسمى علمياً الاحتراق الوظيفي والذي عرفته الباحثة الاجتماعية سوسن السهلي بأنه حالة نفسية وجسدية تحدث نتيجة ضغوط العمل المستمرة، وتتميز بالإرهاق العاطفي، وفقدان الحافز والإنجاز، والانفصال السلبي عن العمل، وتؤدي إلى أعراض جسدية كالتعب المزمن وآلام العضلات، وأعراض نفسية كالتشاؤم وفقدان الدافع.

كورونا السبب

ولفتت إلى أنّ مفهوم الاحتراق الوظيفي ظهر في سبعينيات القرن الماضي إلا أنه لم ينتشر سوى في السنوات القليلة الماضية؛ حيث بلغ أقصاه في ظلّ جائحة كورونا بسبب العمل عن بُعد الذي زعزع الضوابط.

ظاهرة مهنيّة

وأشارت السهلي إلى أن الاحتراق الوظيفي هو ظاهرة مهنيّة، وليس اضطراباً نفسياً أو عارضاً صحياً، موضحة أنه يترافق مع شعور بالإرهاق، وتراجع في منسوب الطاقة وفي الإنتاجيّة المهنيّة. ليس الأمر مجرّد تعب عابر من الوظيفة؛ بل يبلغ مرحلة من الابتعاد الذهني التدريجي عن العمل، بالتوازي مع شعور بالسلبيّة وبعدم الفائدة.

انسحاب تدريجي

وبينت السهلي أن مراحل الاحتراق الوظيفي تكون في البداية، حيث يرغب الموظف في إثبات نفسه والتميّز، ويترافق ذلك مع خوفٍ من ألا يكون في الطليعة.

السهلي: لا توجد إحصائيات في سوريا وأهم أسبابه الضغوط الاقتصادية وعدم وجود حوافز

للغاية، يعمل أكثر وأكثر، فيبدأ في إهمال احتياجاته الخاصة من مأكل ونوم واستراحة وإجازة، ما ينعكس أخطاء ومشكلات في الوظيفة، وهنا يدخل التعب والمرارة والغضب على الخط، فيبدأ في الانسحاب التدريجي من مهامّه، وبالتعامل معها بازدراء.
كما أن ضعف السيطرة يمكن أن يؤدي إلى عدم القدرة على التأثير في القرارات المتعلقة بأداء عمله –مثل جدول المواعيد أو المهام أو ضغط العمل– إلى الإنهاك الوظيفي.
ومن شأن افتقار الموظف إلى الأشياء اللازمة لإنجاز عمله يمكن أن يزيد من الإنهاك الوظيفي والأوضاع الاقتصادية المتدهورة تزيد من الضغط على الموظفين، ما يؤدي إلى زيادة ساعات العمل أو العمل تحت ضغط مستمر.
إضافة إلى عدم وجود تقدير مادي أو معنوي، وعدم وجود حوافز للموظفين، يمكن أن يدفعهم إلى الشعور بالإرهاق وعدم الرضا الوظيفي ويعد صعوبة تحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل والحياة الشخصية في ظل الظروف الحالية أحد الأسباب التي تساهم في تفاقم مشكلة الاحتراق الوظيفي.

التنمر في مكان العمل

لم تنس السهلي وجود خلافات مع الآخرين. ربما يعاني التنمر في مكان العمل، أو يشعر أن زملاء العمل يعملون ضده أو يتدخل رئيسه في مهامه بشكل مبالغ فيه.
من شأن كل تلك الخلافات أن تزيد الضغط النفسي في العمل وما يزيد من شعوره بأنه مستنزف مع عدم الشعور بعدم القدرة على التأقلم.

ارتفاع نسبة الغياب

أما أبرز الأعراض فهو الشعور الدائم بالتعب، والعصبيّة، والقلق، وفقدان التركيز، وضعف الذاكرة، واضطرابات النوم، وتَراجع القدرات الذهنيّة، والرغبة في العزلة، وتبدّل في سلوكيّات الطعام.
ينعكس الأمر كذلك أعراضاً جسديّة، تتراوح ما بين آلام في الرأس وفي المعدة والعضلات؛ لكنها قد تتطوّر إلى ما هو أخطر من ذلك إن لم يجرِ تَدارُك الأمر.
تتحدّث باسكال نخلة هنا عن خطر الإصابة بالسكّري، وبارتفاع ضغط الدم. ولفتت إلى أن الدراسات أثبتت أن الأشخاص الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي ترتفع أيام غيابهم عن العمل بداعي المرض بنسبة 57 في المئة، كما يتضاعف خطر إصابتهم بالاكتئاب بنسبة 180 في المئة.

أخذ إجازة

وللتعامل مع الاحتراق الوظيفي بينت السهلي أنه من المهم استشارة طبيب نفسي لمساعدة الموظف على إحداث تغيير أو إيجاد حلِّ المشكلات وضرورة وضع أهداف واقعية لما يجب عمله، وترتيب أولويات العمل بناءً على ذلك. وفي حال عدم تحسن الأمور من الأفضل البحث عن بيئة عمل أخرى تناسبه بشكل أفضل.
داعية إلى لجوء الموظف إلى أخذ إجازة للحصول على فترات راحة من العمل لفصل الموظف عن بيئة العمل ومحاولة تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية، والتفكير فيما يبعث على الامتنان في العمل والاهتمام بالصحة العامة من خلال ممارسة الهوايات المفضلة، وتقليل التعرض للتكنولوجيا والابتعاد عن الأخبار المزعجة قدر الإمكان.

لا توجد إحصائيات

وأوضحت السهلي أنه لا توجد إحصائيات محددة حول نسبة الإصابة بالاحتراق الوظيفي في سوريا، ولكن تشير المصادر إلى أن الضغوط الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة قد تزيد من احتمالية الإصابة به. تتضمن العوامل المسببة للاحتراق الوظيفي الضغط الشديد، ساعات العمل الطويلة، قلة التقدير والحوافز، والشعور بفقدان السيطرة على العمل، ما يزيد من خطره في السياق السوري.

تقديرات حديثة

تشير تقديرات عام 2025 إلى أن ما يصل إلى 82% من الموظفين معرضون لخطر الإرهاق في مكان العمل في حين أظهرت دراسة في 2023 أن 65% من الموظفين حول العالم اختبروا الاحتراق الوظيفي حيث توجد فروقات واضحة بين الدول، وبلغت نسبة الاحتراق الوظيفي في الهند 59%.

Leave a Comment
آخر الأخبار