الشيباني في موسكو.. زيارة بتوقيت سوريا وعلى قاعدة المراجعة الشاملة للعلاقات والاتفافيات

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

لأن البدايات الجيدة تقود حكماً إلى نتائج جيدة، ولأن وضوح الرؤية والمسار يحدد إلى درجة ‏كبيرة شكل ومكانة سوريا المستقبل التي نريدها والتي تسعى القيادة السورية إليها، سواء في ‏محيطها أو على المستوى الدولي.. لذلك ومن هذه النقاط تحديداً تأتي الأهمية البالغة لزيارة ‏وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى روسيا، ولأنها روسيا، تحديداً وتأكيداً وتوثيقاً، فإن البدايات ‏لا بدّ أن تكون جيدة، أو صحيحة بعبارة أدق، وبما يقلب بصورة نهائية صفحة التحالف ‏الكارثي الذي جمعها مع النظام السوري السابق، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية تأسيس علاقات ‏مستقبلية متوازنة قائمة على الاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وعلى المصالح ‏المشتركة التي لا تجعل روسيا طرفاً نافذاً متحكماً كما كان الحال في عهد النظام السابق الذي ‏استغل روسيا بمواجهة الشعب السوري وثورته، وفي النهاية رحل هذا النظام وبقيت روسيا ‏تواجه مصيراً حرجاً في سوريا (والمنطقة بطبيعة الحال).‏

الزيارة يمكن قراءتها ضمن اتجاه سوري جديد ومختلف لتوسيع الخيارات الدبلوماسية/ ‏الدولية.. ولأن الماضي ليس صورة للمستقبل بل يمكن توظيفه رغم سلبياته فإنّ القيادة السورية ‏تنطلق من هذه النقطة لتقويم العلاقات مع روسيا ‏

‏  ما بعد سقوط النظام

منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول الماضي، اقتصرت العلاقات بين سوريا الجديدة ‏وروسيا على زيارات من الجانب الروسي وتصريحات لمسؤولين روسيين حول أهمية ‏الاستمرار في علاقات جيدة، بل تعزيزها بصورة دائمة على قاعدة أن التطورات في سوريا ‏والمنطقة تفرض أن يكون هناك تعاون وتنسيق، وأن روسيا ستكون مفيدة بالتأكيد لسوريا ‏وعلى صُعد مختلفة، تماماً كما هي سوريا مهمة جداً لروسيا.‏

وسبق للرئيس بوتين أن عرض على الرئيس أحمد الشرع استعداد روسيا الدائم لتطوير ‌‏«تعاون عملي» مع سوريا في مختلف القضايا، وذلك خلال رسالة أرسلها بوتين للرئيس ‏الشرع في 20 آذار الماضي.‏

لم تتوقف التصريحات الروسية بعدها، ومن ضمنها دعوة لافروف للشيباني لزيارة موسكو، ‏خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مدينة أنطاليا ‏التركية، في 27 أيار الماضي.

لأنها روسيا تحديداً فإن البدايات لا بدّ أنها صحيحة وبما يقلب صفحة التحالف الكارثي الذي ‏جمعها مع النظام السابق تأسيساً لعلاقات مستقبلية قائمة على الاحترام الكامل لسيادة سوريا ‏ووحدة أراضيها وعلى المصالح المشتركة التي لا تجعل روسيا طرفاً نافذاً متحكماً ‏

ويوم الإثنين الماضي، أكد النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري ‏بوليانسكي، أن روسيا مهتمة بتحسين الوضع في سوريا، وتتمنى للشعب السوري أن يتجاوز ‏بسرعة فترة عدم الاستقرار، والسير على طريق الوئام الوطني والتنمية الاقتصادية ‏المستدامة».. وقال بوليانسكي خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: إن «روسيا مهتمة ‏بتصحيح الوضع في البلاد بما يضمن سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وهي ‏عازمة على تعزيز العلاقات مع سوريا التي تربطنا بها علاقات ودية تاريخياً».‏

أغلب التصريحات الروسية في الأشهر السبعة الماضية أخذت منحى الالحاح في تحقيق ‏الزيارة، وبعضها كان بصورة مباشرة. ‏

اليوم، بالنسبة لروسيا، أخيراً تتحقق الزيارة (المقررة غداً الخميس) ليكون الشيباني أول ‏مسؤول دبلوماسي سوري رفيع المستوى يزور موسكو منذ سقوط النظام السابق.‏

زيارة الشيباني تنطلق من أن القيادة السورية تعمل على رسم خريطة علاقات دولية أكثر ‏وضوحاً وتحديداً مع حلفاء النظام السابق وإذا كان هؤلاء الحلفاء يواصلون جهوداً كبيرة لإعادة ‏العلاقات فإن سوريا ليس لديها مشكلة لكن إعادة العلاقات ستقوم على مراجعة شاملة لجميع ‏الاتفاقيات والخيارات

‏ محور الزيارة

القيادة السورية، بالتوازي، تبدو أكثر فأكثر في صورة رسم خريطة علاقات دولية أكثر ‏وضوحاً، وتحديداً مع حلفاء النظام السابق، وإذا كان هؤلاء الحلفاء يواصلون جهوداً ومساعي ‏كبيرة لإعادة تطبيع العلاقات، فإن سوريا ليس لديها مشكلة مع أي دولة، لكن تطبيع العلاقات ‏سيقوم هذه المرة على مراجعة شاملة لجميع المسارات والخيارات والاتفاقيات التي جمعت ‏هؤلاء مع النظام السابق، وهذا محور زيارة الشيباني لروسيا، خصوصاً مع وجود ملفات كثيرة ‏قائمة ومعقدة ومفتوحة، ولا بدّ من قيام حوار شامل ومباحثات جدية حولها.‏

عملياً، يُنظر للزيارة على أنها بداية تحديد مسار جديد لمستقبل العلاقات السورية- الروسية، ‏ليس فقط على المستوى السياسي بل الاقتصادي أيضاً، ولا بدّ من إعادة النظر في كافة ‏الاتفاقات الاقتصادية الموقعة مع النظام السابق، طبعاً إلى جانب المستوى العسكري المتعلق ‏بالقواعد والوجود العسكري الروسي على الأرض السورية.‏

أكثر من ذلك، تتم قراءة الزيارة على أنها خيار سوري لتوسيع الخيارات الدبلوماسية/الدولية، ‏ولأن الماضي ليس صورة للمستقبل، بل يمكن توظيفه، رغم سلبياته، باتجاه رسم مستقبل ‏أفضل، فإن القيادة السورية تنطلق من هذه النقطة في سبيل رسم شراكات إستراتيجية تسهم في ‏عملية النهوض وإعادة الإعمار، والقيادة السورية بالعموم تتجه إلى علاقات متوازنة مع جميع ‏الدول، وترى أنّ المسار الدولي زاخر بفرص كثيرة يمكن استثمارها لتسريع عملية النهوض ‏والتعافي، وتعزيز الاستقرار. ‏

‏البعد عن التحالفات السامة

منذ البداية كانت القيادة السورية واضحة في مسألة البعد عن الاصطفافات والمحاور ‏والتحالفات السامة، وهي اليوم إذ تتجه لفتح المسار نحو روسيا فهي تدرك تماماً ما تريده ‏وكيفية الوصول إلى ما تريده. ويمكن تحديد نقطة البداية هنا من خطاب الرئيس أحمد الشرع ‏الأخير الذي شكر فيه روسيا مشيداً بمواقفها السياسية، خصوصاً في مجلس الأمن، ولاسيما ما ‏يتعلق بالتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية.‏

مع ذلك لن نستبق مجريات الزيارة ونتائجها.. لا بدّ من انتظار المُعلن رسمياً لتقديم قراءة ‏أفضل للزيارة وما حققته.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار