الحرية – مها سلطان:
لأن البدايات الجيدة تقود حكماً إلى نتائج جيدة، ولأن وضوح الرؤية والمسار يحدد إلى درجة كبيرة شكل ومكانة سوريا المستقبل التي نريدها والتي تسعى القيادة السورية إليها، سواء في محيطها أو على المستوى الدولي.. لذلك ومن هذه النقاط تحديداً تأتي الأهمية البالغة لزيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى روسيا، ولأنها روسيا، تحديداً وتأكيداً وتوثيقاً، فإن البدايات لا بدّ أن تكون جيدة، أو صحيحة بعبارة أدق، وبما يقلب بصورة نهائية صفحة التحالف الكارثي الذي جمعها مع النظام السوري السابق، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية تأسيس علاقات مستقبلية متوازنة قائمة على الاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وعلى المصالح المشتركة التي لا تجعل روسيا طرفاً نافذاً متحكماً كما كان الحال في عهد النظام السابق الذي استغل روسيا بمواجهة الشعب السوري وثورته، وفي النهاية رحل هذا النظام وبقيت روسيا تواجه مصيراً حرجاً في سوريا (والمنطقة بطبيعة الحال).
الزيارة يمكن قراءتها ضمن اتجاه سوري جديد ومختلف لتوسيع الخيارات الدبلوماسية/ الدولية.. ولأن الماضي ليس صورة للمستقبل بل يمكن توظيفه رغم سلبياته فإنّ القيادة السورية تنطلق من هذه النقطة لتقويم العلاقات مع روسيا
ما بعد سقوط النظام
منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول الماضي، اقتصرت العلاقات بين سوريا الجديدة وروسيا على زيارات من الجانب الروسي وتصريحات لمسؤولين روسيين حول أهمية الاستمرار في علاقات جيدة، بل تعزيزها بصورة دائمة على قاعدة أن التطورات في سوريا والمنطقة تفرض أن يكون هناك تعاون وتنسيق، وأن روسيا ستكون مفيدة بالتأكيد لسوريا وعلى صُعد مختلفة، تماماً كما هي سوريا مهمة جداً لروسيا.
وسبق للرئيس بوتين أن عرض على الرئيس أحمد الشرع استعداد روسيا الدائم لتطوير «تعاون عملي» مع سوريا في مختلف القضايا، وذلك خلال رسالة أرسلها بوتين للرئيس الشرع في 20 آذار الماضي.
لم تتوقف التصريحات الروسية بعدها، ومن ضمنها دعوة لافروف للشيباني لزيارة موسكو، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مدينة أنطاليا التركية، في 27 أيار الماضي.
لأنها روسيا تحديداً فإن البدايات لا بدّ أنها صحيحة وبما يقلب صفحة التحالف الكارثي الذي جمعها مع النظام السابق تأسيساً لعلاقات مستقبلية قائمة على الاحترام الكامل لسيادة سوريا ووحدة أراضيها وعلى المصالح المشتركة التي لا تجعل روسيا طرفاً نافذاً متحكماً
ويوم الإثنين الماضي، أكد النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أن روسيا مهتمة بتحسين الوضع في سوريا، وتتمنى للشعب السوري أن يتجاوز بسرعة فترة عدم الاستقرار، والسير على طريق الوئام الوطني والتنمية الاقتصادية المستدامة».. وقال بوليانسكي خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: إن «روسيا مهتمة بتصحيح الوضع في البلاد بما يضمن سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وهي عازمة على تعزيز العلاقات مع سوريا التي تربطنا بها علاقات ودية تاريخياً».
أغلب التصريحات الروسية في الأشهر السبعة الماضية أخذت منحى الالحاح في تحقيق الزيارة، وبعضها كان بصورة مباشرة.
اليوم، بالنسبة لروسيا، أخيراً تتحقق الزيارة (المقررة غداً الخميس) ليكون الشيباني أول مسؤول دبلوماسي سوري رفيع المستوى يزور موسكو منذ سقوط النظام السابق.
زيارة الشيباني تنطلق من أن القيادة السورية تعمل على رسم خريطة علاقات دولية أكثر وضوحاً وتحديداً مع حلفاء النظام السابق وإذا كان هؤلاء الحلفاء يواصلون جهوداً كبيرة لإعادة العلاقات فإن سوريا ليس لديها مشكلة لكن إعادة العلاقات ستقوم على مراجعة شاملة لجميع الاتفاقيات والخيارات
محور الزيارة
القيادة السورية، بالتوازي، تبدو أكثر فأكثر في صورة رسم خريطة علاقات دولية أكثر وضوحاً، وتحديداً مع حلفاء النظام السابق، وإذا كان هؤلاء الحلفاء يواصلون جهوداً ومساعي كبيرة لإعادة تطبيع العلاقات، فإن سوريا ليس لديها مشكلة مع أي دولة، لكن تطبيع العلاقات سيقوم هذه المرة على مراجعة شاملة لجميع المسارات والخيارات والاتفاقيات التي جمعت هؤلاء مع النظام السابق، وهذا محور زيارة الشيباني لروسيا، خصوصاً مع وجود ملفات كثيرة قائمة ومعقدة ومفتوحة، ولا بدّ من قيام حوار شامل ومباحثات جدية حولها.
عملياً، يُنظر للزيارة على أنها بداية تحديد مسار جديد لمستقبل العلاقات السورية- الروسية، ليس فقط على المستوى السياسي بل الاقتصادي أيضاً، ولا بدّ من إعادة النظر في كافة الاتفاقات الاقتصادية الموقعة مع النظام السابق، طبعاً إلى جانب المستوى العسكري المتعلق بالقواعد والوجود العسكري الروسي على الأرض السورية.
أكثر من ذلك، تتم قراءة الزيارة على أنها خيار سوري لتوسيع الخيارات الدبلوماسية/الدولية، ولأن الماضي ليس صورة للمستقبل، بل يمكن توظيفه، رغم سلبياته، باتجاه رسم مستقبل أفضل، فإن القيادة السورية تنطلق من هذه النقطة في سبيل رسم شراكات إستراتيجية تسهم في عملية النهوض وإعادة الإعمار، والقيادة السورية بالعموم تتجه إلى علاقات متوازنة مع جميع الدول، وترى أنّ المسار الدولي زاخر بفرص كثيرة يمكن استثمارها لتسريع عملية النهوض والتعافي، وتعزيز الاستقرار.
البعد عن التحالفات السامة
منذ البداية كانت القيادة السورية واضحة في مسألة البعد عن الاصطفافات والمحاور والتحالفات السامة، وهي اليوم إذ تتجه لفتح المسار نحو روسيا فهي تدرك تماماً ما تريده وكيفية الوصول إلى ما تريده. ويمكن تحديد نقطة البداية هنا من خطاب الرئيس أحمد الشرع الأخير الذي شكر فيه روسيا مشيداً بمواقفها السياسية، خصوصاً في مجلس الأمن، ولاسيما ما يتعلق بالتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية.
مع ذلك لن نستبق مجريات الزيارة ونتائجها.. لا بدّ من انتظار المُعلن رسمياً لتقديم قراءة أفضل للزيارة وما حققته.