ورقياً كانت أم إلكترونية… الصحف أرشيف وطني وهوية ثقافية!

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – جواد ديوب:

يا للمفارقة!  نقول إننا نرغب بقراءة الصحف ورقياً، لكن مع تعذر وجودها في المتناول، نفتح رابط “النسخة الورقية” منها ضمن موقع الجريدة الإلكتروني نفسه… كأننا نلجأ إلى حيلة مباعدة نفسية مثلما يفعل الأهل مع أطفالهم؛ يغرونهم بالشوكولا  ليتمكنوا من إقناعهم بضرورة شرب الدواء.

كأننا نحن الذين عشنا في زمن الورقيّات (الصحف الورقية، الكتب الورقية، المجلات وسلاسل المطبوعات المتنوعة) أصبحنا مثل الغراب الذي حاول تقليد مشية الحجل… فلا هو  استطاع التمكن من ذلك ولم يعد يعرف كيف يعود إلى مشيته الطبيعية… وها نحن في منطقة وسط، لا نحن عرفنا كيف نمسك الحداثة التقنية بكل تشعباتها وإيجابياتها؛ ولا نحن أبقينا على ملمس ورائحة الورق التي أسكرتنا وكانت الصفحات الملونة تزين جدران غرفنا وأبواب خزائن ثيابنا؛ صور مطربات وممثلات على أغلفة المجلات الفنية، صور نجوم كرة القدم الأشهر في التاريخ قصصناها من صفحات الرياضة في الصحف المحلية والعربية، نسخٌ مهترئة من رسائل أحبائنا، وبعض رسوم الكاريكاتير التي كنا ننتظرها مع كل عدد مطبوع لنكملَ بها أحاديثنا الفكاهية ونكاتنا عن السياسيين والزعماء.

وبالمقارنة، تبدو الصحف الإلكترونية مثل الورود البلاستيكية قياساً للحميمية التي تختزنها الصحف المطبوعة بروائح ورقها و أحبارها وملمسها وإمكانية العودة إليها في أي وقت ومكان مع تعذر وجود شبكة نت قوية وسريعة.

أرشيف وطني متكامل!

لكن أهمية وجود صحيفة ورقية واحدة على الأقل تكون بمثابة الصحيفة الرسمية في أي بلد تتعدى الموضوع التقني والجماليات الفنية وألوان الطباعة والذكريات الحميمة… إلى ما يمكن أن يسمى بضرورة وجود “أرشيف وطني” لأخبار البلد وأحداثه السياسية والثقافية والاقتصادية… بل تعكس بشكل أو بآخر المزاج العام و الهوية الثقافية للبلد باعتبارها (باكيج) متكاملاً من المانشيت الافتتاحي إلى أخبار المنوعات ومقتطفات الترفيه، هذه السلة المتكاملة المرتبة على شكل “صحيفة” والتي تنتقى مقالاتها بعناية ودرايةٍ شديدة، يمكن للقارئ الاطلاع عليها كلها بنظرة سريعة، عوضاً عن الضخامة والتشعب العنكبوتي للموقع الإلكتروني الذي قد يتوه القارئ في متاهاته، وإعلاناته المشوِّشة والمشتِّتة، ويضيع من رابطٍ إلى رابط، ومن مقطع سمعي بصري إلى آخر متضمن داخل هذه المتاهة المسماة: صحيفة إلكترونية.

التشبيك الإلكتروني!

وبالطبع كل ذلك لا ينفي أبداً أهمية الحداثة التقنية، فهي تتيح تخزين مئات الأعداد الرقمية من الصحف والمجلات على أقراص تخزين مثلاً؛ بدلاً من مكان تخزين كبير للورقيات، وتسهل عملية البحث عن عدد محدد بالتاريخ أو عن مقالة ممهورة باسم كاتب محدد، بالإضافة إلى أهمية فكرة التشبيك الإلكتروني مع عشرات التطبيقات التي تتيح لقراء بعيدين جداً عن إمكانية شراء الجريدة الورقية، بل لآلاف القراء من غير سكان البلد المحليين، أن يطلعوا على مجاهل بلاد ومدن بعيدة يسمعون عنها ولا يعرفونها، وقد لا تتيح لهم الحياة فرصة زيارتها.

البعض يرى أن ليس مهماً شكل إيصال المعلومات والأخبار سواء كان ورقياً أو رقمياً، فالمهم هو الصدق في المعلومات، ونوعية المعرفة الراقية التي تقدم للناس.

Leave a Comment
آخر الأخبار