الصناعة الوطنية تتأرجح بين ضغوط التكاليف وتحديات التهريب والمنافسة.. خبير إقتصادي : 80% من البضائع في أسواقنا مصدرها أجنبي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

تشهد أسواق محافظة اللاذقية تصاعداً ملحوظاً في انتشار البضائع الأجنبية، خاصة المهربة منها، ما يضع الصناعة الوطنية أمام أزمة متفاقمة تهدد قدرتها على الاستمرار والمنافسة. وبينما ينجذب المستهلك إلى هذه السلع بسبب انخفاض أسعارها، يجد الصناعيون والتجار أنفسهم مثقلين بأعباء متزايدة تشمل ارتفاع أسعار الوقود والمواد الأولية وأجور العمال، إضافة إلى تراكم المخزون نتيجة ضعف المبيعات.

وأوضح الخبير الصناعي محمد درويش أنّ صناعات محلية عريقة، مثل صناعة الجلود والألبسة، تصطدم يومياً بالبضائع المهربة والرخيصة، ما يقلل من قدرتها التنافسية ويهدد بإخراجها من السوق.

واستجابة لمطالب أصحاب المشاغل والمصانع، دعت غرفة تجارة وصناعة اللاذقية إلى اجتماع موسع للاستماع إلى شكاوى الصناعيين. وتركزت أبرز المعضلات على ضعف الأسواق، وارتفاع تكاليف المواد الأولية، وإيجارات المحلات والمنشآت، ونقص الكهرباء، وارتفاع تكاليف النقل، إلى جانب الفوضى التي تفرضها البسطات المنتشرة في الأسواق.

كما شملت مطالب الصناعيين ضبط التهريب بشكل كامل، خصوصاً الألبسة المستعملة (البالة)، إعفاء المواد الأولية المستوردة من الرسوم الجمركية، توفير الكهرباء بشكل مستمر، وتقديم إعفاءات ضريبية لمعامل الألبسة لمدة سنتين على الأقل.مع التشديد على أهمية تحريك السوق عبر فك احتباس السيولة في البنوك، وتعزيز الأمن في المناطق الصناعية، وتأمين وسائل نقل عامة للعمال.

وأكد حسن اندرون، عضو غرفة تجارة وصناعة اللاذقية لصحيفة الحرية ، أنّ الغرفة ستقوم برفع المقترحات إلى الجهات المعنية ومتابعتها عن كثب، مشيراً إلى أهمية التنسيق مع وزارة الاقتصاد لتفعيل استثمار بعض الورشات والمعامل العائدة ملكيتها للدولة في تصنيع الألبسة داخل المحافظة، إضافة إلى طرح كميات من إنتاج “معمل الشرق” للألبسة الداخلية للبيع عبر وزارة الاقتصاد. ورأى اندرون أن هذه الخطوات، إلى جانب ضبط التهريب وتخفيف الأعباء الضريبية، يمكن أن تسهم في تعزيز قدرة المنتج الوطني على الصمود في وجه المنافسة الأجنبية.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر، فشدّد على أن مستقبل النشاط الاقتصادي في اللاذقية مرهون بخلق توازن حقيقي بين التجارة والصناعة، مشيراً إلى أنّ ارتفاع تكاليف الطاقة وغياب الدعم الفعّال لقطاع الصادرات يجعل المنتجات السورية أقل قدرة على المنافسة أمام منتجات دول الجوار، خصوصاً التركية. وكشف أن حجم الاستيراد الكبير، الذي بلغ حداً كبيراً من البيانات الجمركية عبر المعابر السورية، والتي تشكل ضغطاً هائلاً على السوق المحلية.
و أوضح د. اسمندر أن التهريب بات يشكل خطراً إستراتيجياً على الاقتصاد السوري:
بسبب التراخي في مكافحة التهريب، نجد أنّ أكثر من 80% من البضائع المعروضة حالياً في الأسواق السورية مصدرها لبنان أو تركيا. ورغم أن هذه البضائع لا تقل جودة عن المنتج المحلي وتباع بأسعار أقل، إلّا أنّ أثرها مدمّر للصناعة الوطنية، حيث تدفع كثيراً من الصناعيين إما إلى إغلاق منشآتهم أو إلى التحول نحو التجارة عبر استيراد وبيع تلك البضائع.
واقترح اسمندر حزمة حلول، أبرزها: توفير احتياجات الصناعيين لزيادة قدرتهم التنافسية، تطوير برامج دعم نوعية للصناعة السورية لرفع الجودة وخفض الأسعار، التشدد في مراقبة الأسواق ومنع دخول البضائع المهربة، وفرض رسوم إغراق على المنتجات المستوردة النهائية مع الالتزام بالمعايير الصحية والبيئية.
بين المستهلك والصانع: جدلية مستمرة
يرى ناشطون اقتصاديون أن دعم المنتج الوطني ضرورة لتعزيز قوة الاقتصاد، مؤكدين أنّ قوة اقتصادك تعني قوة بلدك. لكن المستهلكين يطرحون وجهة نظر مغايرة، إذ يرون أن المنتج المحلي لا يزال بعيداً عن التنافسية سواء من حيث السعر أو الجودة، وأن بعض الصناعيين يبالغون في هوامش الربح ما يفقد منتجاتهم القدرة على المنافسة.
وبينما يؤكد الخبراء أنّ السوق لا تعترف بالعاطفة، فإن أي منتج يجمع بين الجودة والسعر المناسب هو الأجدر بالبقاء، سواء كان سورياً أم أجنبياً.
تتأرجح الصناعة الوطنية اليوم بين ضغوط التكاليف وتحديات التهريب والمنافسة، فيما تبقى الحاجة ماسة إلى خطة حكومية متكاملة تضمن للمستهلك سلعة جيدة وبسعر مناسب، وتمنح المنتج الوطني فرصة عادلة للاستمرار في السوق. وبين المطرقة والسندان، يظل السؤال مفتوحاً: هل ينجو المنتج السوري من المنافسة غير العادلة؟

Leave a Comment
آخر الأخبار