الطبقة المتوسطة… ضرورة لنهضة الدولة والمجتمع

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

عبدالله الدالي:
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهد المجتمع السوري تحولات جذرية على مختلف الصعد، كان أبرزها التحول في البنية الطبقية، فقد بدأ يتشكل نمطان اقتصاديان متباينان بشكل حاد: طبقة غنية مترفة، وطبقة فقيرة مسحوقة، وهذا التفاوت – وإن بدا مبرراً في ظل الحروب والثورات، وخاصة عند مواجهة نظام إجرامي كنظام الأسد – إلا أنه يصبح غير مبرر إطلاقاً في حال استمر بعد التحرير والنصر.

إن الحديث عن مجتمع خالٍ تماماً من الطبقات هو طرح مثالي يصعب تحقيقه. فالتجربة التاريخية والواقع المعيش، حتى في أعدل الدول والمجتمعات الإسلامية، تؤكد أن وجود الطبقات أمر طبيعي في البناء الاجتماعي، غير أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في وجود الطبقات بحد ذاته، بل في الفجوة الكبيرة بين الطبقة الغنية والفقيرة، وفي آليات الصعود الطبقي التي تتيح للأغنياء تكديس الثروات بينما يزداد الفقراء فقراً ومعاناة.

وهنا تظهر الطبقة المتوسطة بوصفها ضرورة استراتيجية وليست ترفاً اجتماعياً، فهي الطبقة التي توازن بين طرفي المجتمع، وتمنع تغوّل الطبقة البرجوازية على موارد الدولة، كما تسهم في تقليص حجم الطبقة الفقيرة عبر فتح فرص العمل وتحريك عجلة الاقتصاد.

ولعل دور الطبقة المتوسطة في نهضة المجتمع يكمن في كسر الاحتكار الاقتصادي، من خلال دخول أبناء الطبقة المتوسطة ميدان المشروعات والاستثمارات.

ثم تحقيق العدالة الاجتماعية التدريجية، إذ تنتقل شريحة من الفقراء إلى الطبقة المتوسطة بفضل التعليم والفرص العادلة، ما يُسهم في تخفيض نسبة الفقر العام.

وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، فكلما توسعت الطبقة المتوسطة، تعززت روح المشاركة السياسية، وضعف الاستقطاب الحاد الذي غالباً ما يؤدي إلى توترات اجتماعية.
إن من أهم السياسات التي تسهم في خلق طبقة متوسطة هي رفع رواتب العاملين في الدول، بحيث تضمن كفايتهم المعيشية، وتتيح لهم الادخار، ما يعزز قدرتهم على تأسيس مشروعات خاصة في المستقبل.

وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة عبر توفير قنوات تمويل قانونية وميسرة، وتقديم الدعم الفني والتدريبي لأصحاب الأفكار الإنتاجية.

إضافة إلى دعم القطاع الزراعي، من خلال تمويل المزارعين، وتوفير شبكات لتصريف المنتجات داخل البلاد وخارجها، بما يضمن دخلاً مستقراً ومستداماً.

كما أنه من الأساسي والضروري التركيز على التعليم والتأهيل المهني، فالتعليم هو السلم الأول للصعود الطبقي، وكلما توفرت بيئة تعليمية عادلة ومجانية ومهنية، زادت فرص العدالة الاجتماعية.

إن بناء الطبقة المتوسطة لا يتم بقرار آني أو إجراء فردي، بل هو مسار استراتيجي يتطلب سياسات واضحة، وتخطيطاً بعيد المدى. لكن لا بد من البدء الآن، برسم ملامح هذه الطبقة، وتوفير الحاضنة التي تمكنها من التشكل والنمو.
فالنهضة الحقيقية لا تتحقق إلا إذا قلّ الفقر إلى أدنى مستوياته، وأصبح الغنى مشروعاً في أسبابه ومسؤولاً في نتائجه، والطريق إلى ذلك يمر حتماً عبر بناء طبقة متوسطة فاعلة تحمل على عاتقها همّ الوطن، وتؤمن بضرورة توازنه ونهضته.

Leave a Comment
آخر الأخبار