الطبيعة تدفع فواتير ثورة الذكاء الاصطناعي.. صحارى تشيلي تقدم الثمن بصمت

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- سامر اللمع:

بعيداً عن ناطحات السحاب الزجاجية في وادي السيليكون، وفي قلب صحارى تشيلي القاحلة، تُسجل ‏الطبيعة فواتير التقدم التكنولوجي، ويدفع السكان الأصليون ثمن ثورة الذكاء الاصطناعي.‏
فبينما تُبنى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية على خوادم عملاقة، تُستنزف الموارد الطبيعية في ‏صحراء أتاكاما لتزويد هذه الخوادم بالطاقة والمعادن النادرة.‏
وتُعد تشيلي أكبر منتج للنحاس في العالم، وتنتج نحو ثلث الليثيوم العالمي، وهو عنصر أساسي في ‏بطاريات السيارات الكهربائية وتقنيات الذكاء الاصطناعي. لكنّ التعدين هنا لا يغيّر شكل الأرض فقط، ‏بل يدمّر النظم البيئية ويُقوّض المجتمعات الأصلية.‏
منجم تشوكيكاماتا، الأكبر من نوعه في العالم، لم يترك خلفه سوى جروح مفتوحة في الأرض ومدن ‏أشباح دفنتها الأتربة.‏
أما المياه، فقد استُنزفت من الصحارى إلى درجة جفّ فيها أحد السهول الملحية بالكامل، مسببة تدميراً ‏بيئياً لا يُقدّر بثمن.‏
سونيا راموس، ناشطة من السكان الأصليين وُلدت في عائلة تعمل في التعدين، لا تزال تتذكر كارثة منجم ‌‏«تشوكيكاماتا» في خمسينيات القرن الماضي، عندما انهار جزء منه مخلفاً قتلى ودماراً اجتماعياً عميقاً, ‏ومنذ ذلك الحين، تحوّلت راموس إلى صوت صارخ في وجه ما تعتبره نظاماً يستغل الأرض والإنسان ‏بلا رحمة.‏
وحسب تقرير نشره موقع «‏restofworld‏», فإن الأرض ليست وحدها من يدفع ثمن التقدم التكنولوجي ‏في تلك المنطقة, فالسكان الأصليون، المعروفون باسم “أتاكامينوس”، لم يعودوا قادرين على زراعة ‏محاصيلهم أو تربية مواشيهم، ونتيجة لذلك, ارتفعت نسب الجريمة، الإدمان، والاكتئاب، في ظل تراجع ‏الخدمات الصحية والتعليمية، رغم إن أراضيهم تدر المليارات.‏
وهنا تقول راموس: أسلافنا كانوا عمال مناجم، لكن التعدين اليوم خرج عن السيطرة.. لم نعد نملك شيئاً.‏

الذكاء الاصطناعي يتغذى على الموارد

مع تسارع تطور الذكاء الاصطناعي، يزداد الطلب على النحاس والليثيوم لبناء مراكز بيانات عملاقة، ‏ومحطات طاقة، وشبكات كهرباء.‏
وتُستخدم روايات “التقدم التكنولوجي” لتبرير المزيد من الاستخراج، لكنّ السكان المحليين يسألون: “تقدم ‏لمن؟”.‏
الناشطة كريستينا دورادور، عالمة أحياء دقيقة، تقول: لا يملك السكان القدرة على تقرير مصيرهم. ‏السياسات الدولية هي من تقود كل شيء.‏
إلا أن صمت السكان الأصليين لم يطل, فقاموا برفع الأعلام السوداء على منازلهم، ونظموا احتجاجات ‏وقطعوا الطرق المؤدية إلى المناجم، واستعانوا بمحامين لانتزاع حقوقهم بموجب القانون الدولي.‏
كما طالبوا بإجراء أبحاث مستقلة لتحديد كمية المياه المفقودة، وحجم الأضرار البيئية التي لحقت بصحراء ‏أتاكاما.‏
أما سونيا راموس، التي أسست مؤسستها الخاصة، تسعى اليوم لتقديم نموذج تنموي مختلف، يدمج بين ‏علوم الأجداد والأبحاث الحديثة.‏
فهي تؤمن بأن صحراء أتاكاما، بمناخها القاسي، تخبئ أسراراً بيولوجية قد تكون المفتاح لعلاجات ‏وأشكال طاقة مستقبلية، دون الحاجة إلى تدميرها.‏

 

Leave a Comment
آخر الأخبار