الرياض ودمشق تعيدان رسم خريطة التوازنات.. والملف الاقتصادي يتقدم المشهد العلاقات السورية- السعودية ودورها في استقرار المنطقة انطلاقاً من مبادرة “استثمار المستقبل”

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:

تتوًج مشاركة الرئيس أحمد الشرع في النسخة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار في المستقبل “FII” بالرياض مساراً متسارعاً من العلاقات بين الرياض ودمشق، وتحولاً استراتيجياً يهدف إلى إعادة دمج سوريا في محيطها العربي عبر بوابة الاقتصاد والاستثمار.
وشكلت الدعوة السعودية للرئيس الشرع لحضور “FII” اعترافاً ضمنياً بضرورة إشراك دمشق في أي مستقبل إقليمي مستقر، فبعد سنوات من القطيعة والعزلة، اختارت الرياض أن يكون الاقتصاد هو الجسر الرئيسي لعودة سوريا إلى الحاضنة العربية.
ويأتي هذا التقارب في سياق تحولات إقليمية واسعة، تقودها المملكة العربية السعودية نحو خفض التصعيد والتركيز على التنمية الاقتصادية، ما يتطلب بيئة إقليمية أكثر هدوءاً.

نقاط التحول

وتشمل المشاركة مجموعة من نقاط التحول وفقاً للباحث الاقتصادي الدكتور حسام الماضي ومنها:
الاعتراف الإقليمي، لأن الحضور في محفل عالمي بهذا الحجم، برعاية سعودية، يمنح دمشق شرعية اقتصادية وسياسية إقليمية، ويساعدها في كسر العزلة الدولية، حيث إن الاستثمار السعودي في سوريا يهدف جزئياً إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، عبر تقديم بديل اقتصادي عربي قوي.
وأيضاً تحقيق الاستقرار الإقليمي لأن استقرار سوريا هو استثمار في استقرار المنطقة بأسرها، وأن إعادة دمجها اقتصادياً يقلل من مخاطر التفتيت الطائفي والجيوسياسي.


ولطالما كانت سوريا نقطة محورية في الصراعات الإقليمية، ومع عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، لعبت الرياض دوراً محورياً في تسهيل هذا الإندماج، مؤكدة مبدأ الحوار الإقليمي كبديل للتدخلات الخارجية، ويحقق التقارب السعودي- السوري هدفين استراتيجيين:
أولاً: المساعدة في استعادة الدولة السورية لسيادتها الكاملة، مايساهم في ضبط الحدود ومكافحة تهريب المخدرات.
ثانياً : تحقيق الاستقرار في سوريا حيث يشكل الاستقرار فيها عاملاً حاسماً لأمن دول الجوار، خاصة الأردن والعراق، وبالتالي فإن التوافق السعودي- السوري يصب في مصلحة الأمن الإقليمي الأوسع.

الاقتصاد قاطرة التقارب

ويؤكد الماضي أن الجانب الاقتصادي يُعد القاطرة الأقوى في هذا التقارب، فسوريا بحاجة إلى التمويل لإعادة الإعمار، بينما تمتلك السعودية رؤوس أموال ضخمة وصناديق سيادية تبحث عن فرص استثمارية في المنطقة.
وقد بدأت المؤشرات الاقتصادية تظهر من حيث الاستثمار في البنية التحتية، وتشير تقارير إلى أن المملكة أبدت اهتماماً بتمويل مشاريع حيوية في سوريا، خاصة في قطاعات البنية التحتية، والطاقة، والاتصالات، وهو ما ظهر جلياً في مشاركة الوفود السورية في منتديات استثمارية سعودية كبرى.
والتجارة البينية من المتوقع أن يؤدي تحسن العلاقات إلى تنشيط حركة التجارة البينية، وفتح الأسواق أمام المنتجات السورية، ما يوفر شريان حياة للاقتصاد السوري المنهك.

استثمار استراتيجي

الاستثمار السعودي في سوريا ليس مجرد مساعدة، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى خلق بيئة اقتصادية مستقرة تخدم مصالح المنطقة بأكملها،لأن الاستقرار الاقتصادي في سوريا هو خط الدفاع الأول ضد عودة الفوضى.

شراكة ناجحة

وتلعب سوريا دوراً مهماً اقتصادياً وسياسياً في المنطقة ما يجعل منها شريكاً قوياً ومسهلاً لنجاح الشركاء لعدة أسباب:
أهمية سوريا اقتصادياً:
1. الموقع الاستراتيجي: تقع سوريا عند ملتقى طرق التجارة بين آسيا، إفريقيا، وأوروبا، ما يجعلها نقطة محورية للممرات الاقتصادية.
2. الطاقة والموارد الطبيعية: تحتوي على موارد نفطية وغازية تمثل جزءاً مهماً من الاحتياجات الإقليمية، بالإضافة إلى موارد معدنية وزراعية.
3. القطاع الزراعي: وتعد من الدول الزراعية ذات الإنتاج المهم للحبوب والفواكه والخضروات، ما يدعم الأمن الغذائي في المنطقة.
4. الفرص الاستثمارية: مع إعادة الإعمار والتنمية بعد سنوات النزاع، تفتح سوريا آفاقاً للاستثمار في قطاعات البناء، الصناعة، والخدمات.

تعزيز العلاقات

تفتح مشاركة سوريا في مبادرة “استثمار المستقبل” آفاقاً جديدة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية ويسهم في دعم الاقتصاد السوري المتعافي بعد سنوات من التحديات، وتنمية القطاعات الحيوية حيث يمكن لسوريا الاستفادة من الموارد والتقنيات الحديثة المدعومة في المبادرة لتطوير قطاعات مثل الطاقة المتجددة، الزراعة، والصناعات التحويليية وتوفير فرص عمل، وأيضاً، الدخول إلى الأسواق الإقليمية نظراً لما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي يربط الشرق الأوسط بطرق تجارية مهمة، ما يعزز من فرص نجاح مشاريع مبادرة استثمار المستقبل في المنطقة.

التحديات المتبقية

ويؤكد الماضي أنه ورغم التفاؤل، لا تزال هناك تحديات تعترض طريق هذا التحالف الجديد.
1. العقوبات الغربية: تشكل العقوبات الأميركية والأوروبية (مثل قانون قيصر) عائقاً أمام أي استثمار سعودي مباشر وكبير، ما يتطلب إيجاد آليات مالية وقانونية مبتكرة لتجاوز هذه القيود.
2. الملفات الأمنية والملف الإنساني، تتطلب تنسيقاً أمنياً وسياسياً مستمراً بين الرياض ودمشق.

نحو مستقبل مستدام

تؤكد مشاركة سوريا في المحافل الاقتصادية، مثل مبادرة استثمار المستقبل “FII”، أن الرياض ترى في دمشق شريكاً ضرورياً لتحقيق رؤيتها الإقليمية. وإذا نجحت الدولتان في تحويل هذا التقارب السياسي إلى شراكة اقتصادية قوية، فإن العلاقات السورية-السعودية قد تصبح بالفعل الركيزة التي يقوم عليها الاستقرار الإقليمي، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون والتنمية في المنطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار