ترجمة وتحرير – لمى سليمان:
بين عنجهية نتنياهو وتصلب بوتين، يقف ترامب، الذي سقط في محاولة إظهار نفسه كحمامة سلام، حائراً وضائعاً في تصرُّفه. لكن هل من المنطقي أن يحكم العالم رجلٌ ضعيف؟
يرى الكاتب سيمون تيسدال في مقال نشره على موقع الغارديان البريطاني أن الفراغ الذي خلفه ترامب بضعفه يتم استغلاله من قبل بوتين ونتنياهو، لكن ما يزال هناك الكثير من الطرق لإحباطهما.
يقول تيسدال: من السهل جداً إلقاء اللوم على دونالد ترامب في كل ما يحدث في العالم من مشاكل، فكثيراً ما تُبالَغ في تقدير قدرة أي رئيسٍ أمريكي على تغيير سلوك القوى الكبرى الأخرى جذرياً أو التحكم فيه، ومع ذلك، بتظاهره أنه ملكٌ عالمي غير متوَّج وحاكمٌ كبير في الحرب والسلام، يخلّد ترامب أوهام الهيمنة الأمريكية والقدرة المطلقة والحق الإلهي، ثملاً بهذه الأوهام المُضخمة للأنانية، تعهّد قبل توليه منصبه بإنهاء صراعي أوكرانيا وغزة بسرعة، وربما اعتقد أنه بغروره وتفاخره قادر على فعل ذلك.
ويتابع تيسدال: بعد ثمانية أشهر، يحدث العكس تماماً، فكلتا الأزمتين تتوسعان وتتصاعدان، انفجرت الفقاعة وانكشفت خدعته، وخلع الإمبراطور ثيابه، ولا شك أن ترامب، بمهادنته وتبريره وتشجيعه المتتالي للشريرين الرئيسيين في هاتين المأساتين، هو المسؤول الأكبر، عن التوغلات الروسية المتعددة بطائراتٍ بدون طيار في بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبالمثل، فإن الغارة الجوية الإسرائيلية المتهوّرة وغير القانونية في قطر، والتي نسفت عملية السلام في غزة مادّياً ومجازياً، قد أججت التوترات الإقليمية.
يضيف تيسدال: إن العامل المشترك في هذه التطورات هو ضعف الولايات المتحدة، أي ضعف ترامب، هل كرّس أي رئيس أمريكي آخر كل هذا الجهد ليظهر نفسه قائداً قوياً، بينما يفشل فشلاً ذريعاً في التصرف كقائد عند الضرورة؟ إن الكثير مما يفعله – إصدار أوامر تنفيذية غير قانونية، إقالة كبار المسؤولين، التنمّر على الجيران والمهاجرين العُزّل، إرسال القوات إلى شوارع المدن الأمريكية، دعم زميله في انقلاب البرازيل، إثارة الخلافات مع القضاة ووسائل الإعلام المستقلة – يهدف إلى تعزيز صورته كرجل قوي.
والواقع مختلف تماماً، من وجهة نظر تيسدال، عندما يواجه ترامب خصوماً أقوياء لا يلينون، لقد حسم بوتين ونتنياهو هذا الأمر فمنذ زمن بعيد: يُجاملانه، ويروّجان عن رغبتهما في السلام، ويمنحانه انتصاراتٍ سهلة ثم يعودون إلى ديارهم لمواصلة ما يحلو لهم، وعندما يتصل ترامب غاضباً ليشتكي – كما فعل بعد غارة نتنياهو على قطر – ويتذمّر، بشكل مثير للشفقة، بأنه «غير سعيد»، فإنه يؤكد ضعفه فقط ويتم تجاهله.
وبدلاً من تسهيل إنهاء هذه الحروب، أصبح ترامب عقبةً رئيسية أمام السلام، تدخلاته غير المدروسة، استعراضاته، انحيازاته تزيد الأمور سوءاً وتطيل أمد الصراعين، افتقاره إلى مهارات القيادة، إلى جانب افتقاره إلى النزاهة والحسّ السليم، أمرٌ صادمٌ للأوروبيين، الذين اعتادوا التعامل مع رؤساء عقلانيين وأكفاء نسبياً، وقد أدى عداؤه للاتحاد الأوروبي وحلف «ناتو»، وحروبه الجمركية، ومؤامراته المناهضة للديمقراطية، إلى تقويض التماسك والثقة الغربية وتعزيز الأنظمة الاستبدادية.
وبحسب تيسدال، فإن بوتين يراقب من عرينه في الكرملين ويتصرّف وفقاً لذلك، كان توغل الطائرات المسيرة في بولندا – ليس الأول ولكنه الأكبر بلا منازع – اختباراً محسوباً لردود فعل «ناتو» ووحدته، شعر بالارتياح لنقاط الضعف الدفاعية التي كشفها والاستجابة السياسية غير المتكافئة، لم يقل ترامب الكثير حتى الآن، ولم يفعل شيئاً، صمته يكشف الكثير، لن يعترف أن خضوعه المتملّق لبوتين أتى بنتائج عكسية مروعة، ولن يستجمع القوة والشجاعة لاتخاذ موقف، على الرغم من الأسلحة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية العديدة المتاحة له، وهكذا يحصل بوتين على تصريحٍ مجاني مرة أخرى، وقد يكون الأمر أسوأ في المرة القادمة: ماذا لو هدّدت روسيا فنلندا مباشرة؟ أو ألمانيا؟ ماذا سيفعل ترامب حينها؟
وبناءً على الأدلة حتى الآن، فإن الشكوك ضئيلة، وقد وُجّهت انتقاداتٌ مُحقّة للرئيس السابق جو بايدن لتوخّيه الحذر في التعامل مع أوكرانيا، بينما بالكاد دخل ترامب في اللعبة، يجب على المملكة المتحدة ودول «ناتو» الأوروبية التوقف عن الخضوع لواشنطن، ووقف جميع واردات الطاقة الروسية، وتوسيع المساعدات العسكرية، وإنشاء منطقة حظر جوي فوق المناطق غير المحتلة في أوكرانيا، ومصادرة أموال الكرملين المجمدة، وعزل البنوك الروسية والصينية المخالفة للعقوبات، وإذا لزم الأمر، يجب أن تكون جيوش أوروبا مستعدة للرد، انتظار ترامب عبثي كالانتظار عند نافذةٍ بلا أجوبة.
ويؤكد تيسدال أن القادة العرب المجتمعين هذا الأسبوع يواجهون ضغوطاً مماثلة للانفصال عن الولايات المتحدة، خاصة بعدما جلس ترامب المهمَّش جانباً بينما أضاف نتنياهو قطر- حليفة الولايات المتحدة – إلى قائمة الدول التي هاجمتها «إسرائيل» بطائرات وقنابل أمريكية في 7 أيلول 2023،
ويتساءل تيسدال: ما الثمن الذي ستدفعه خطةُ إعادة تشكيل الشرق الأوسط الآن؟ السياسة الأمريكية صارت رهينة العدمية المتطرفة لنتنياهو، قطع إمدادات الأسلحة الأمريكية لـ«إسرائيل»، تجميد المساعدات المالية الثنائية، فرض عقوبات، دعم مقاضاة قادة «إسرائيل» بجرائم حرب، الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة.. أي رئيس أمريكي عادي قد يفعل بعضاً من هذا أو كله، لكن ترامب ليس عادياً، إنه شاذّ وبعيد عن الواقع.
أصبحت الإخفاقات التاريخية للقيادة الدولية شائعة في عالم القرن الحادي والعشرين الممزق، كان أحدها القرار الأمريكي البريطاني بغزو العراق عام 2003، والآخر هو الفشل في معالجة حالة الطوارئ المناخية بشكل فعال، والآن تلوح في الأفق كارثتان أخريان ملحميتان مماثلتان في الوقت نفسه، إذا كانت الأمم المتحدة، التي تعقد اجتماعها السنوي هذا الشهر، وإذا سمحت أوروبا، وإذا سمح الغرب لروسيا و«إسرائيل» بمواصلة عدوانهما القاتل وغير القانوني وغير الأخلاقي والمتنامي باستمرار، فقد لا يكون هناك ما يوقف الانحدار المتسارع نحو الفوضى العالمية.
وختم تيسدال قائلاً: ما لم تتحد الدول الديمقراطية لضمان وقف سريع لهذه الحروب، مستخدمةً جميع الوسائل اللازمة، بما في ذلك القوة العسكرية، فإن كوارث أكبر ستتبع حتماً، لكن لا تعتمدوا على الولايات المتحدة لتولي زمام المبادرة، لا تعتمدوا على إضعاف ترامب، إنه جزء من المشكلة، إنه مُخادع.