تعمل سوريا اليوم على إطلاق نهضة اقتصادية جديدة عبر الاستثمار في القطاع السياحي، الذي لم يعد مجرد نشاط ترفيهي، بل تحوّل إلى محرك أساسي لإعادة الإعمار وتنشيط الدورة الاقتصادية. ويبرز دور الشركات القابضة ووزارة السياحة في تنظيم الاستثمار وضمان جاهزية القطاع لاستقطاب المشاريع المحلية والخارجية، بما يعزز التنمية ويفتح الباب أمام الاستثمارات العربية والأجنبية.
السياحة ودورها في استقطاب الاستثمارات
تسعى سوريا إلى إعادة تموضعها الاقتصادي من خلال جذب الاستثمارات العربية والدولية، وإعادة تقديم القطاع السياحي كنافذة أولى للتواصل مع العالم. وفي هذا الإطار، تركز وزارة السياحة على إحياء المواقع الأثرية، تطوير المسارات السياحية، وتأهيل المنشآت الفندقية والخدمية، بما يدعم تحريك الاقتصاد ويخلق فرص عمل واسعة على المستوى المحلي.
الزنبركجي: السياحة بوابة سوريا إلى العالم ونموذج اقتصادي لإعادة الإعمار عبرشراكة متوازنة بين الدولة والقطاع الخاص
ويشير الخبير الاستشاري في تأسيس الصناديق السيادية مهند الزنبركجي لـ الحرية إلى أن الاستثمار الخارجي وحده ليس كافياً لتحقيق التنمية المستدامة، مؤكداً أن أي خطة ناجحة تحتاج إلى بيئة قانونية مستقرة، محاكم اقتصادية عادلة، وإجراءات استثمار واضحة. كما يوضح أن جزءاً كبيراً من عوائد الاستثمار الخارجي يعود للمستثمر، ما يجعل بناء قاعدة اقتصادية محلية قوية شرطاً لتحقيق أثر طويل الأمد.
إطار تنظيمي حديث
يرى الزنبركجي أن القطاع السياحي جاهز للاستثمار، لكنه يربط نجاحه بوجود إطار تنظيمي حديث عبر الشركات القابضة. ويؤكد أن الاستثمار السياحي لن يحقق أثره الحقيقي ما لم يُدمج ضمن شركات قابضة واضحة الحوكمة، قادرة على تنظيم المشاريع وتوزيع المخاطر وحماية حقوق المستثمرين. وتُعد هذه المنظومة أساساً لتحويل المبادرات الفردية إلى بنية اقتصادية قابلة للنمو، بما يضمن شراكة متوازنة بين الدولة والقطاع الخاص وينعكس إيجاباً على المجتمعات المحلية.
منظور اقتصادي متعدد المستويات
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر أن دمج الاستثمارات السياحية ضمن شركات قابضة يمثل آلية فعّالة لإدارة مشاريع إعادة الإعمار، إذ إن أي مشروع سياحي كبير يحرك قطاعات الطرق والكهرباء والمياه والاتصالات والنقل والخدمات. كما أن الشركات القابضة قادرة على استقطاب التمويل المحلي والخارجي وتوزيع المخاطر، ما يتيح تنفيذ مشاريع ضخمة دون تحميل الدولة أعباء مالية كبيرة.
تحليل خسائر بعض الفنادق
يتطرق اسمندر إلى وضع بعض فنادق الساحل التي تواجه تحديات تشغيلية، لكنه يحذر من تقييم هذه المنشآت بشكل عشوائي. ويطرح أسئلة جوهرية:
هل جميع الفنادق خاسرة أم أن المشكلة محصورة ببعضها؟
هل الخسائر دائمة أم مرتبطة بظروف طارئة؟
هل تعود الأسباب لضعف الإدارة أو التسويق أو تراجع المجموعات السياحية أو تأثير الأزمة الاقتصادية؟
ويؤكد أن تغيير الملكية وحده لا يكفي لحل المشكلات، داعياً إلى إعداد دراسات جدوى دقيقة لكل فندق واعتماد معايير شفافة لاختيار الشركات القابضة، مع التأكيد على أهمية آليات المحاسبة والمقارنة بالمعايير الدولية.
السياحة.. فرصة استثمارية جاهزة
يؤكد الزنبركجي أن القطاع السياحي اليوم يشكل فرصة استثمارية جاهزة بفضل انخفاض رأس المال المطلوب مقارنة بالمشاريع الصناعية، وارتفاع القدرة على خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وسرعة استرداد رأس المال. ويشير إلى أن نجاح أي مشروع سياحي يؤدي إلى تنشيط البنية التحتية المحيطة، ليصبح جزءاً أساسياً من عملية إعادة الإعمار الاقتصادية والاجتماعية.
استعدادات النهوض بالقطاع
من جهته، يوضح مدير الإعلام في وزارة السياحة عبد الله حلاق أن الوزارة تولي اهتماماً كبيراً بالقطاع باعتباره أحد أهم محركات النمو الاقتصادي. وتشمل جهود الوزارة:
تطوير البنى التحتية وتأهيل المنشآت السياحية
تبسيط إجراءات الاستثمار وتحديث أنظمة الترخيص
توفير خريطة استثمارية واضحة للمشاريع الجديدة
تنشيط برامج الترويج السياحي داخلياً وخارجياً.
كما يشير إلى أن الساحل السوري يحظى بأولوية للاستثمار بفضل جاهزيته العالية وقدرته على استقطاب مشاريع كبيرة وصغيرة، مع اعتبار المشاريع الصغيرة والمتوسطة رافعة مهمة للتنمية المحلية.
ويؤكد حلاق أن رؤية الوزارة تهدف إلى رفع جودة المنتج السياحي السوري وتقديم تجربة متكاملة للزوار، لتكون السياحة جزءاً محورياً في إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي.
خريطة طريق اقتصادية متكاملة
تكشف مقاربات الزنبركجي واسمندر وتوجهات وزارة السياحة عن ضرورة بناء نموذج اقتصادي يعتمد على الإنتاج المحلي المنظم والاستفادة من الاستثمار الخارجي دون الارتهان له. ومع الانسجام بين الرؤية التنفيذية والتحليل الاقتصادي، يظهر القطاع السياحي كقوة قادرة على:
– تحفيز الاستثمار المحلي والخارجي
– دعم البنى التحتية والخدمات
– إطلاق مشاريع إعادة إعمار ذات مردود سريع
– توفير فرص عمل واسعة
وبذلك تصبح السياحة بوابة عملية لإعادة الإعمار ووسيلة لإعادة سوريا إلى الخريطة الإقليمية والدولية.
الحرية ـ نهلة ابوتك