(الكومجي).. بين ضرورة المهنة وجحود المجتمع ونظرته الدونية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- بشرى سمير:
في الزوايا المزدحمة لأحياء المدن، وعلى أطراف الطرق السريعة، يقف “الكومجي” أو مصلّح دواليب السيارات شامخاً، في ورشة بسيطة، محاطًا بالأدوات، والزيوت، والكاوتشوك المحروق قد لا يلفت النظر في تفاصيل الحياة اليومية، لكنه حاضر بقوة حين تحتاج إليه، عندما يتعطل إطار سيارتك فجأة، في وقت لا يسمح بالتأخير تلك اللحظة وحدها كفيلة بأن تذكّرك بأهمية هذه المهنة التي لطالما حاصرها الناس بالأحكام المسبقة والنظرة الدونية.
يقول محمد العامل في ورشة لإصلاح الإطارات رغم الغبار والشحوم والزيت مهنة الكومجي ليست مجرد “تصليح دولاب بنشر” كما يختصرها البعض، بل هي معرفة تقنية دقيقة، ومهارة يدوية عالية، وخبرة لا تكتسب في الجامعات ولفت خريج المعهد التقني إلى أنه يتعامل مع حياة الناس بشكل مباشر، فأي خطأ في إصلاح إطار قد يكلّف حياة سائق وعائلته على الطريق.
من جهته علاء المصري شاب ثلاثيني ورث المصلحة عن والده قال: هناك من يعتقد أن عمل الكومجي بسيط ويقتصر عمله على فحص الإطار فقط ولا يعلم أننا بعد فحص الإطار نقرر إن كان هناك ضرر داخلي، ونجري لحام أو دوزان ونتأكد أن السيارة آمنة، مضيفاً: أنا مسؤول عن سلامة زبوني ومن معه وأي تقصير أو إهمال قد يخسر حياته، ولفت إلى انخفاض أسعار تبديل الاطارات والتي وصلت قبل سقوط النظام البائد إلى 600 ألف ليرة للإطار الواحد، بينما حالياً تصل كلفة تركيب الإطار الجديد الى 300 ألف ليرة وإصلاح الإطار القديم وترقيعه بـ25 ألف ليرة بدلاً من 50 ألف ليرة.
رامي غنيم، شاب قرر ترك مقاعد الجامعة بعد سنتين، وفتح ورشة صغيرة لإصلاح الدواليب، قال: درست هندسة ميكانيك، وصقلت ما تعلمته بالعمل في المصلحة مع خالي، واليوم لدي دخل ثابت وزبائن من كل مكان وعندي طموح أكبر لفتح فرع تانٍ.
وأضاف هناك من يعتقد أنني فاشل، لكنني راض عن نفسي وأفتخر بما حققته من سمعة طيبة “.. وأضاف رغم النظرة المتدنية، الكومجي في الغالب يحقق دخلاً جيداً نسبيًا، خاصة إذا كانت الورشة في موقع نشِط، لكن هذا الدخل لا يأتي بسهولة، بل بعد سنوات من التعب، وتحمّل ظروف صعبة، تبدأ من الأحوال الجوية القاسية في الشتاء أو الصيف إلى التعامل مع الزبائن الغاضبين أو أصحاب الأخلاق النزقة، والمواقف الطارئة.
ويشاركه الرأي عصام شعبان صاحب ورشة منذ 18 عاماً، والذي قال: في الصيف نعمل تحت الشمس الحارقة، وفي الشتاء بين الطين والمطر، أفتح الورشة الساعة 7 صباحاً، والإغلاق في التاسعة مساء وهناك من الزبائن من يقدر التعب ويعاملنا باحترام، وهناك من يتعامل معنا كأننا لا نستحق كلمة طيبة، لكن أنا أحب عملي، ومرتاح مادياً، وأربي أطفال على قدسية العمل الشريف، ولا يهمني نظرة المجتمع طالما أنني أعمل عملاً نافعاً وشريفاً.
ويقول المهندس الميكانيكي محمد ابراهيم: التفاصيل اليومية التي يتعامل معها الكومجي، من أنواع الإطارات، لمقاسات الرينجات، للضغط المناسب لكل طراز، تحتاج لمستوى عالٍ من التركيز والمعرفة، ومع ذلك، نادراً ما يتم الاعتراف بقيمتها، إن اختيار المهنة ليس فشلاً بل وعياً وذكاء في مجتمعاتنا العربية، غالبًا ما يُقاس النجاح بالشهادة الجامعية، حتى وإن كانت بلا جدوى، هذا القياس الضيق يغفل مسارات بديلة قد تكون أكثر جدوى، وأكثر منفعة وأشار الى أن هناك العديد من الشبان الذين لا يملكون القدرة لإنشاء ورش خاصة بهم مما يضطرهم إلى العمل في سيارات متنقلة
وهناك بعض الشباب الذين يعملون في ورش إصلاح السيارات لديهم قدرة على إصلاح أي عطل سواء بإطارات السيارات أو بالميكانيك والتي غالباً ما أصبح الكومجي يقوم بأعمال مختلفة غير إصلاح الإطارات وتغيير الدواليب.
من جانبها نور الحموي موجهة تربوية أشارت إلى الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه المؤسسات التربوية، والإعلام، وحتى المجتمع الأهلي، في كسر هذه الأحكام، وتعزيز قيمة العمل اليدوي كخيار طبيعي ومحترم، وأضافت: نحن بحاجة لإعادة تعريف “النجاح” في وعينا الجمعي ليس من الضروري أن يكون الشخص مهندساً خلف مكتب كي يُعتبر ناجحاً، بل الناجح هو من يبني حياته بعرق جبينه ويؤدي عمله بإخلاص ويعيش باستقلالية وكبرياء والكرامة والأخلاق لا تأتي من شهادة، بل من السلوك، وأن قيمة الإنسان ليست بما يلبس أو كم يربح، بل بما يقدّم للمجتمع من منفعة وخدمات.

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار