الليرة بين الإصلاحات والتحديات.. مسار استعادة السيادة الاقتصادية والثقة المالية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:

تُوضح التطورات الأخيرة التي تشمل التصويت على إلغاء قانون قيصر في مجلس الشيوخ الأميركي وإصدار عملة جديدة، أن هناك جهوداً حثيثة لتحسين الوضع الاقتصادي في سوريا، لكن الاستقرار الحقيقي لليّرة لا يزال مرهوناً بعوامل أعمق من الإجراءات.
ويزيل الإلغاء عقبة كبيرة أمام إعادة اندماج سوريا في النظام المالي العالمي، ويفتح قنوات التجارة والاستثمار التي كانت مغلقة بسبب العقوبات الشاملة على النظام السابق.

*كويفي: الوصول إلى استقرار حقيقي يتجاوز الإجراءات الشكلية إلى معالجة الجذور الاقتصادية

وينعكس الانهزام الحاد في قيمة الليرة والذي مرده للسياسات السابقة لحكم النظام البائد، في تراجع السيادة الاقتصادية أمام عوامل خارجية وداخلية، مع اهتزاز الثقة في الاقتصاد الوطني ومؤسساته، وتآكل قيمة العمل والإنتاج المحلي كما يشرح الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية المهندس باسل كويفي لـ(الحرية).

مسار التعافي

ويحتاج مسار التعافي لبناء ليرة قوية مجدداً، واستعادة السيادة الاقتصادية عبر سياسات وطنية مستقلة، مع تحفيز الإنتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات، مع ما يرافق ذلك من بناء الثقة المؤسسية التي تجعل الناس تستعيد إيمانها بالعملة الوطنية. فجوهر القضية_ كما يرى كويفي_ ليس هدفاً تقنياً فحسب، بل هو استعادة لكرامة الاقتصاد الوطني واعتراف بقيمة عمل السوريين وإنتاجهم.

سياسات جوهرية

ويعتمد استقرار الليرة على سياسات اقتصادية جوهرية، وليس على تغيير شكل العملة فقط، وأن نجاح هذه الخطوة مرهون بالإصلاحات المالية والنقدية العميقة، وبدون كبح التضخم وضبط عجز الموازنة وبناء الثقة في القطاع المصرفي، قد تتحول “الليرة الجديدة” إلى نسخة محدثة من الأزمة نفسها.

*كويفي: الخطوات السياسية والنقدية الأخيرة تشكل أرضية ملائمة للتعافي

ويوضح كويفي أن الوصول إلى استقرار حقيقي، يجب أن يتجاوز الإجراءات الشكلية إلى معالجة الجذور الاقتصادية، ويمكن اقتراح عدة نقاط منها ؛ الشفافية والسياسات المتماسكة مع تبني سياسات متوازنة بعيداً عن التوسع غير المسؤول في طباعة النقود، إضافة إلى معالجة التشوهات الهيكلية، وتحديث القوانين المالية والاقتصادية و الإدارية، وإعادة دمج البنوك العامة والقوانين المصرفية، ورفع الضمانات المحفوظة في المركزي للمؤسسات المالية.

إصلاح القطاع المصرفي

ويتطلب التعافي تحريك عجلة الإنتاج المحلي، واستعادة الموارد الوطنية، وتشجيع الاستثمارات في بيئة أعمال مستقرة ومحفزة، وعليه فإن إصلاح القطاع المصرفي _ كما يحدد كويفي_ ركيزة لاستعادة الثقة، و محور أي استقرار مالي مُستقبلي للسياسات النقدية والإصلاحية التي تسير نحو استعادة الثقة، والاستفادة من دراسات وتقارير صندوق النقد الدولي في مرونة التعامل مع المؤسسات الدولية لتصويب فعالية هذه السياسات، و وضع برنامج إصلاحي واقعي للمدى المتوسط يتطلب الحوكمة والشفافية والرقابة،حيث يرى كويفي أن البرنامج الاقتصادي المالي الاجتماعي متوسط المدى للفترة 2026-2028″، يعد نقلة نحو الواقعية الاقتصادية، حيث يعترف بالوضع الفعلي، ويضع أهدافاً أكثر قابلية للتحقيق، وهو أمر بالغ الأهمية لبناء مصداقية السياسات.

التأثير على الحرية المالية

ولفهم كيف يمكن للبنك المركزي التأثير على الاقتصاد وحريات الأفراد المالية؟ بين كويفي أنه من المفيد معرفة أدوات السياسة النقدية الرئيسية التي يستخدمها عادة، مثل عمليات السوق المفتوحة، شراء أو بيع الأوراق المالية الحكومية للتأثير على السيولة وأسعار الفائدة في الاقتصاد، وتعديل أسعار الفائدة لأثرها المباشر على تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات، والتي تؤثر بدورها على الاستهلاك والادخار والاستثمار وغيرها، كتخفيض هذه النسبة يزيد السيولة المتاحة للإقراض.

أرضية ملائمة

ورغم الواقع الصعب، إلا أن الخطوات السياسية والنقدية الأخيرة أرضية ملائمة للتعافي، حيث تضع استقرار الأسعار وتعزيز الثقة في مقدمة أولوياتها، حتى لو كان ذلك على حساب نمو اقتصادي أسرع، بينما لم يتم التصريح بشكل مباشر عن خطط لرفع القيود عن المدخرات، فإن نجاح هذه الإصلاحات في خفض التضخم واستقرار العملة سينعكس إيجاباً تلقائياً على القيمة الحقيقية لمدخرات المواطنين وحرية التصرف بها.
وبالتالي، فإن الاستقرار القريب والمستدام لليّرة ليس مضموناً بعد، وسيعتمد الأمر بشكل حاسم على الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الجوهرية التي طال انتظارها، كما يتطلب أيضاً الاستقرار السياسي وسيادة القانون والسلام المستدام وفقاً لكويفي.

Leave a Comment
آخر الأخبار