المرحلة المقبلة تتطّلب رؤى واضحة للنجاح الاقتصادي بعد رفع العقوبات عن سوريا

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

الفرحة الكبيرة التي عبر عنها السوريون والعرب بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا جاءت بعد سنوات من الحصار والقيود التي فرضت على البلاد، وهو ما كان يحلم به الكثيرون كخطوة نحو استعادة الاستقرار وإعادة دور سوريا على الساحة العربية والدولية.. ومع ذلك، تبقى النظرة الواقعية والمنهجية ضرورية، خاصة في جوانب الاقتصاد والإدارة، حيث تتطلب المرحلة القادمة رؤى واضحة، وتقييمات دقيقة، ووضع أساسات قوية لمراحل انتقالية مستدامة وفعالة.

في حديثه مع “الحرية”، أكد رئيس مجلس النهضة السورية، المستشار عامر ديب، أن رفع العقوبات ليس ضمانة مباشرة لوقف الانهيار الاقتصادي. إذ أن هناك دول لا تعاني من عقوبات، ومع ذلك تعاني من فشل اقتصادي، الأمر الذي يُبرز أن البناء والنمو والتنمية يبدأ من الداخل، من خلال إصلاحات داخلية حقيقية وإدارة فعالة، وليس فقط اعتماد على رفع العقوبات أو تغير السياسات الخارجية.

وبالتالي، فإن التعافي الاقتصادي لسوريا يتطلب جهودًا شاملة تضطر إلى معالجة التحديات الداخلية، وتحقيق الاستقرار السياسي، والواقعية في التوقعات، مع التركيز على تطوير البنية التحتية، المؤسسات، والنظام الإداري ليتمكن الاقتصاد السوري من النهوض والاستمرار.

خطوات إدارية

ديب أكد أن أهم الخطوات الإدارية تتمثل في إعادة استراتيجية التعاطي مع مؤسسات الدولة، ويقصد بذلك التغيير في الفكر والأدوات المستخدمة، حيث أوضح أن رفع العقوبات ليس نتيجة حتمية لنجاح أو انتعاش الاقتصاد، وليس أيضاً نتيجة حتمية لتحسين مستوى الفرد، فقد برهنت دول عديدة أنها فاشلة اقتصادياً وغير قادرة على إدارة مواردها بشكل فعال.

بيئة مناسبة

لذا، فإن التحضير لرفع العقوبات يجب أن يترافق مع تهيئة بيئة مناسبة للاستفادة منها، هذا ما بينه ديب، فمن خلال التعاون المشترك والاعتماد على المستشارين، ليس فقط من الجهات الرسمية بل من الشركات الخاصة أيضًا، الذين يعتبرون أكثر قدرة على إدراك المطالب الخاصة بالعملية التنموية، لافتاً إلى أن تحقيق التنمية ومقابلتها بعمل من الداخل، يمكن أن يحقيق أكبر قدر من الفائدة من تعليق العقوبات ورفعها.

ليس بالمؤشر الوحيد

كما أكد ديب أن عودة نظام “السويفت” ستسهل وتعزز حركة التجارة والاعتمادات، كما ستسهم في جذب استثمارات متنوعة نظراً لأهميته. ومع ذلك، شدد على أن هذا النظام ليس هو المؤشر الوحيد لعجلة الاستثمار، فهناك عوامل أخرى تؤثر على جلب الاستثمار وتنميته. لذلك، فإن الانتباه إلى بيئة الأعمال بشكل عام يظل ضرورياً لتحقيق النتائج المرجوة.

عدم استثمار

وأوضح ديب أن أي قرار إيجابي من شأنه أن يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في ظل السلبية التي تميز الحالة بعد سياسات الحكومة السابقة، نلاحظ أن هناك حالة من اليأس تسود الشارع السوري، وفيما يخص تصريح ترامب برغبته وعزمه على العمل على رفع العقوبات، فإن ذلك قد يتخذ بعض الإجراءات، لكنه من شأنه أن يترك أثراً إيجابياً على الحالة العامة، رغم أنه قد لا يحقق نتائج ملموسة بشكل فوري، من جهة أخرى، شهدنا في السابق أن الاتفاق بين السيد الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، أسفر عن حالة من الفرح، حيث انخفض سعر الصرف، إلا أن هذا الانخفاض لم يدم طويلاً، حيث عادت الأسعار للارتفاع مجدداً. بالتالي، فإن الحالة الإيجابية التي سادت آنذاك تلاشت مع الوقت، بسبب عدم استثمار ذلك الاتفاق في بناء بنية اقتصادية قوية أو تعزيز الوحدة الوطنية وتشكيل الدولة. وفي الوقت الحالي، إذا لم يتم رفع العقوبات، فإن لها آثاراً سلبية ستنعكس بشكل أكبر على السلبية التي نعاني منها، مع تأثيرات ذات دلالة أكبر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

مواجهة التحديات

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه سوريا في فترة التعافي الاقتصادي بعد رفع العقوبات، وكيفية تضافر الجهود لتجاوزها، أوضح ديب في حواره أن النجاح يتطلب التركيز على عدة عوامل أساسية، منها إزالة ظاهرة الاحتكار وتهيئة بيئة اقتصادية مناسبة لجذب الاستثمار الحقيقي، وأكد على أن مشاركة القطاع الخاص تعتبر ضرورية لتحقيق هذا الهدف، إلا أن العقبات التي تواجهه اليوم، من جراء العراقيل والإجراءات المقيدة، تعيق قدرته على إحداث نقلة نوعية في عمليات الاستثمار والتنمية الاقتصادية.

غياب القدرة التنافسية

حول خروج 4000 منشأة صناعية من الخدمة في حلب، وعن التسهيلات التي قد تجذب المستثمرين، بين ديب أن ذلك ليس شرطاً أساسياً، موضحاً أنه في عام 2008، رغم غياب العقوبات، خرجت من الخدمة بسبب عدم توفر القدرة التنافسية للصناعة الوطنية ومنافستها للصناعات الخارجية، وعلى الرغم من أن التكاليف اليوم منخفضة، إلا أن الجدوى الاقتصادية وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية وسياسات الحكومة الحالية تؤدي إلى ضعف التشجيع على الاستثمار. و في ظل هذه الظروف، تركز غالبية المشاريع على القطاعات الخدمية والمشاريع ذات الطابع الاقتصادي، التي لا تحقق نتائج ملموسة أو آثار إيجابية على الاقتصاد بشكل عام، ما يعكس تحديات كبيرة تواجه القطاع الصناعي وتدفع نحو استمرار الحالة الراهنة من ضعف التنمية الاقتصادية.

تحقيق الاستقرار

ومن أجل جذب المستثمرين الأجانب وتقديم التسهيلات التي من شأنها تسريع عجلة الاقتصاد، يشير ديب إلى أن أهم هذه التسهيلات هو تحقيق الاستقرار والأمن والأمان، مشدداً على أن تحقيقه لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الوصول إلى وحدة وطنية تشمل جميع الأطراف، بحسب التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية أسعد الشيباني، حيث يعكس هذا الرأي أهمية الاستقرار السياسي والأمني كشرط أساسي لجذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي، وهو ما يتطلب جهوداً مشتركة لتحقيق وحدة وطنية تواجه التحديات الراهنة.

القطاع المصرفي.. إلى أين؟

وأهم الملفات الشائكة التي تعيق حركة الاستثمار والمستثمرين والاقتصاد في سوريا، هو موضوع تحويل الأموال وحسب ما أوضحه ديب، فإن القطاع المصرفي فقد الثقة لصالح السوق الموازي، ما أدى إلى تراجع دوره بشكل كبير، حيث لم يعد له حضور فاعل في السوق، ويشير إلى أنه قبل الحديث عن فرض نظام معين أو أي تعامل نقدي، من الضروري إعادة هيكلة القطاع النقدي والمصرفي بما يتناسب مع الواقع، خاصة إذا كانت هناك رؤية واضحة ومستدامة، فعملية تهميش المصارف والبنوك من العملية النقدية والتجارية يعد عبئاً كبيراً، إذ إن ذلك يكبد الدولة خسائر تقدر بملايين الدولارات، الأمر الذي يعطل الكثير من العمليات الاقتصادية ويعرقل نمو القطاع المالي بشكل فعال.

Leave a Comment
آخر الأخبار