الحرية- رنا بغدان:
“اصحَ يا نايم وحّد الدايم
قول: نويت بكرا إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحَ يا نايم وحّد الرّزاق
رمضان كريم..”
وتبقى الذكريات وتحيا لتحلو في رمضان وتلتمع في النفوس صدقاً ومحبة وتآخياً ورحمة بين البشر.. وأحلى الذكريات وأجملها تلك التي تنبع من قلب شيخ عاركته الحياة وعاركها فأثبت وجوده فيها حاملاً راية التراث عالياً، ليصدح بصوته العذب متأبطاً عوده مطلقاً ألحانه شامخاً بنظارته السوداء وجلبابه وطبلته.. إنه الشيخ المبدع سيد مكاوي:
ناس كانوا قبلي قالوا في الأمثال:
“الرِجل تدّب مطرح ما تحب”
“وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال
وكل البشر حتة.. من بلدي حتة
من كبدي حتة من موال.. ”
بدأ سيد مكاوي حياته بارتداء ملابس الشيوخ بعد أن فقد بصره ولم يتجاوز الثانية من عمره فاستحق بذلك لقب “شيخ”، ذلك اللقب الذي دعمه وأكده دخوله “الكُتّاب” لحفظ القرآن الكريم ودراسته، وساعدته في ذلك عذوبة صوته ليصبح من مشاهير القراء والمنشدين للتواشيح والمدائح النبوية في الموالد والمناسبات الدينية. لكنه أحبّ الغناء ومارسه سراً حتى أجازته الإذاعة كمطرب فبدأ يسجل ويلحن ويغني أغاني وألحان التراث، لكن الناس لم يعرفوه بشكل كبير إلا عندما بدأ يغني أغاني “المسحراتي” للشاعر فؤاد حداد في شهر رمضان المبارك فارتبط اسمه وترسّخ في أذهان الناس ليصبح: (مسحراتي فؤاد حداد وسيد مكاوي) من أهم سمات الشهر الكريم وبات الجميع يحفظ أغانيه ويرددها:
مسحراتي.. منقراتي
أمل ونية في الإنسانية
الناس هنية والشعب يعلم
اختار وأقدم.. اللي بيخدم..
راودته فكرة المسحراتي واستهوته منذ كان طفلاً، فقد عايش العبق المصري الأصيل في حي عابدين وكانت مصر تضاء بالفوانيس في الحواري وكان عدد سكانها قليلاً، لذا كان من السهل على المسحّر أن يحفظ أسماء أهل الحارة وأسماء المولودين الجدد ولا يأخذ أجراً إلى أن يجيء “يوم الوقفة”، حيث يقوم أهل الحي بإهدائه بعضاً من الكحك “الكعك” والغريبة.. ويقول الشيخ سيد مكاوي:
“كل هذه الصور بقيت في ذاكرتي منذ الطفولة فخرجت منها أنغام برنامج “المسحراتي” وكان لكل لفظة فيها لحن خاص بها، أما الكلمات فجاءت عندما تعرّفت على العملاق حسن فؤاد عام 1952، ونجحنا في إقناع الشاعر فؤاد حداد بتحويل “ديوان المسحراتي” إلى عمل إذاعي حتى سجلنا 160 حلقة”.
قدّم مكاوي وحداد مسحراتياً جديداً يتناول القضايا العامة التي تعكس وتنقل صورة المجتمع المصري ويناقشها إلى جانب الحكايات الشعبية والمناطق الأثرية، وصارت فكرة البرنامج فكرة جديدة حازت على إعجاب الجماهير وصار “المسحراتي” يخاطب كل المواضيع التي عبرت عن قضايا الإنسان ومشكلاته واحتياجاته من خلال إبداعات الشاعر فؤاد حداد والفنان الشيخ سيد مكاوي اللذين اجتمعا على بقاء الشكل التراثي الشعبي والحفاظ على تلك المهنة الأصيلة والعريقة في الشهر الفضيل، نذكر منها: حكاية السيدة الفقيرة التي كانت تسخّن الماء لتلهي أولادها عن الجوع حتى يناموا وظهور الخليفة عمر بن أبي الخطاب ومساعدته لهم، طه حسين، بائع الخضار، أمبابة وكوبري أمبابة، المبعوثين، الروتين الكئيب، الآذان، الصلاة، الأحياء الشعبية وغير الشعبية، حلويات العيد..
مسحراتي.. منقراتي
على تل عجوة وعسل وسمن وتين..
سهرانين لت وعجين
يبنوا الهرم.. قالت حماة المحترم
يا كحك يا سيد الكرم
نبطنك في المشمش..
وبعد نجاح “المسحراتي” انتقلت حلقاته من الإذاعة المصرية إلى شاشات التلفزيون وكانت من كلمات سيد حجاب وكمال عمار وأمين فؤاد حداد، وإخراج فتحي عبدالستار ثم يحيى زكريا في رمضان خلال تسعينيات القرن الماضي.