الحرية ـ رحاب الإبراهيم:
تشكل المشاريع الأسرية رغم غياب معظم الأدوات الداعمة ومقومات الانطلاق والاستمرارية، وخاصة الدعم المالي، حلاً تنموياً مناسباً لإيجاد مصدر دخل يؤمن متطلبات المعيشة في ظل واقع معيشي واقتصادي قاسٍ على معظم العائلات وخاصة الريفية، التي توجهت ضمن قدرات مادية محدودة إلى إنشاء مشاريع متناهية الصغر يغلب عليها الطابع الزراعي، على نحو يمكنها من الاستمرارية وتطوير الإنتاجية حسب المتاح.
تتفاوت وتتنوع المشاريع الأسرية في أرياف حماة، بين المشاريع الزراعية والتجارية المتناهية الصغر والصغيرة، وإن كانت الزراعية الغالبة بحكم طبيعة مدينة حماة الزراعية، وقلة الموارد المالية وضعف فرص التمويل، بحيث تعتمد العائلات في أرياف حماة على تأسيس مشاريع متناهية الصغر ضمن البيوت أو المساحات المحيطة بها لتوفير احتياجات المعيشة اليومية بالحد الأدنى.
عقبة التمويل
تتحدث أميرة سلوم من ريف حماة الغربي عن مشروعها لتجفيف التين ضمن منزلها باعتبار أن قريتها والقرى المجاورة تشتهر بأشجار التين، بقولها: بدأنا بهذا المشروع منذ سنوات، بقصد تأمين مصادر دخل لتأمين احتياجات المعيشة، واليوم كبر المشروع وأصبح يشغل عدداً من العاملين الذين يعيلون عدداً من العائلات، وهذا أمر هام يسهم بشكل أو بٱخر في دعم المشاريع الأسرية وتوسيعها حينما يجد الأهالي نتائج مرضية تنعكس بالإيجاب على معيشتهم وحياتهم”.

وتؤكد وجود صعوبات كثيرة أهمها عقبة التمويل إذ كانت هناك نية للتوسع والتسويق على نطاق أكبر، متمنية وجود منظمات أو مصارف داعمة للمشاريع الأسرية عبر منح قروض بفوائد ميسرة دون تكبيل أصحابها بضمانات لا يقدرعلى تأمينها.
وهو ما يؤكده الشاب عمار حسن، الذي بدأ مشروعاً أسرياً لتصنيع الأجبان والألبان بالتعاون مع والدته، عبر جمع الحليب من القرية والقرى المحيطة ويصنع منه أجباناً وألباناً بطرق يدوية باعتباره لا يملك قدرة مادية حالياً على شراء آلات متخصصة، ليشدد على ضرورة إطلاق قروض تساعد الشباب على تأسيس مشاريع أسرية تؤمن مستقبلاً جيداً لهم بعيداً عن الوظيفة براتبها المحدود.
إدارة الاقتصاد الأسري
“الحرية” تواصلت مع الخبير التنموي أكرم عفيف لسؤاله بحكم خبرته، وهو المسؤول عن مبادرة المشاريع الأسرية عن الأدوات المطلوبة لإنجاح المشاريع الأسرية، وتوسيع نطاقها في ظل الحاجة الماسة إلى تعزيز هذا الفكر الاقتصادي، بدل استمرار التركيز على التوظيف بشقه الخاص والعام وطرق دعمها، حيث بين عفيف أنه عملياً لا يوجد ما يسمى دعم المشاريع الأسرية، وإنما إدارة الاقتصاد الأسري، فالأسر السورية هي أسر منتجة، والمهمة هنا تقتضي تحويل هذا الإنتاج إلى منتج نافع مطابق للمواصفة ويروج في السوق الداخلية والخارجية.
وهذا يحتاج إلى ضخ طاقات المجتمع المحلي واستثماره، لأن كثيراً من الأسر حالياً بدون عمل أو ذات دخل منخفض، مبيناً أنه عند توسيعها تسهم في تشغيل اليد العاملة، علماً أن يوجد الكثير من هذه المشاريع كزراعة الفطر المحاري وتفريط الفول وتجفيف التين وغيرها، وهذه المشاريع تكاليفها بسيطة لكن يمكن مساعدتها بقروض صغيرة من دون فوائد.
وأضاف عفيف إنه بالإمكان إنشاء كل يوم مشروعاً متناهي الصغر أو صغيراً، فحينما نقول اقتصاد أسري، يعني اقتصاداً ينتج في الأسرة نفسها، كصنع المخللات، حيث يمكن تدريب وتجهيز وتحسين النوعية وصولاً إلى منتج منافس في أسواق داخلية وخارجية، وخاصة أن المنتج الأسري ينتج داخل البيت ولا يكلف مبالغ طائلة، موضحاً أنه عند الرغبة في زيادة كميات الإنتاج وتكبير المشروع يحتاج ذلك إلى نوع من الدعم، على أن يتم مع اختيار التوقيت المناسب للتصنيع بحيث يتم ذلك حينما يكون المنتج الأولي رخيص السعر ليحول الفارق إلى جيوب المصنع والمستهلك عبر إنتاج سلعة تحقق ربح منطقي للمنتج وتباع بسعر جيد للمستهلك.
المأسسة..اللبنة الأولى
ويشدد الخبير التنموي عفيف على أن إدارة موارد الاقتصاد الأسري جزء منها الدعم المادي وإدارة التسويق وضبط الجودة وتحسينها، وهذا كله عملية تنظيمية تحتاج إلى مأسسة، ومجرد مأسسة المشاريع الأسرية الصغيرة سنضع اللبنة الأولى في بناء الدولة السورية من خلال زج طاقات وأفكار وإبداع وعلوم جميع السوريين، وهذا هو هدف مبادرة المشاريع الأسرية، التي تعمل وفق مبدأ الهرم المقلوب، فهنا المجتمع يخطط والإدارات والقيادات ينفذون، مشيراً إلى أن الطموح بتحقيق هذا الهدف والانطلاق بثقة نحو إنجازه بكل السبل الممكنة على نحو ينعكس على تطوير والنهوض بالاقتصاد الأسري، وجعل الأسر تفكر خارج الصندوق والتحول إلى أسر منتجة تنهض بالمجتمع المحلي والاقتصاد السوري عموماً.