الحرّية – هبا علي أحمد:
من المتعارف عليه أن المصارف الاستثمارية تُعتبر ركيزة التمويل الاستراتيجي في الاقتصاد السوري الناشئ، لذلك وفي ظل التحدّيات البنيوية التي تواجه الاقتصاد السوري، يبرز الاستثمار كأداة مركزية لإعادة البناء وتحقيق النمو المستدام.
غير أن هذا الاستثمار، خاصة في المشاريع الكبرى والاستراتيجية، يحتاج إلى تمويل احترافي يتجاوز الإمكانات التقليدية للمصارف التجارية، ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تأسيس مصارف استثمارية متطورة، قادرة على تعبئة الموارد، وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية، وفق صيغ تمويل حديثة تتماشى مع الواقع السوري، بما في ذلك التمويل الإسلامي الذي يقترب من عقود الاستثمار أكثر من الصيغ الربوية التقليدية.
تساهم المصارف الاستثمارية بتحفيز النمو عبر تعبئة المدخرات وتحويلها لاستثمارات منتجة ما يخلق فرص عمل
وظائف استراتيجية
في السياق يُعرف الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي المصرف الاستثماري بأنه مؤسسة مالية متخصصة في تقديم خدمات التمويل طويل الأجل، وإدارة الأصول، وتطوير أدوات مالية موجهة لدعم المشاريع الكبرى، بخلاف المصارف التجارية التي تركز على الإيداع والإقراض قصير الأجل.
وأشار الدكتور قوشجي في حديث لـ”الحرّية” إلى الوظائف الاستراتيجية التي تؤديها المصارف الاستثمارية، من حيث تمويل المشاريع الإنتاجية والبنية التحتية، إدارة الاكتتابات العامة وتأسيس الشركات المساهمة وتقديم الاستشارات المالية والتقييمات الاقتصادية إضافة إلى تطوير أدوات مالية مبتكرة مثل الصكوك الإسلامية، والسندات التنموية.
دعم الاقتصاد الوطني
تُساهم المصارف الاستثمارية في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تعبئة المدخرات وتحويلها إلى استثمارات منتجة، حسب الخبير المصرفي، ما يخلق فرص عمل، ويعزز القيمة المضافة، ويقلّل من الاعتماد على التمويل الخارجي، كما أنها تُساهم في إعادة هيكلة القطاعات المتعثرة، وتوفير التمويل اللازم لتحديثها، بما ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي.
تلعب المصارف الاستثمارية دوراً محورياً في فهي لا تكتفي بتوفير التمويل بل تُشارك في تقييم المخاطر
إضافة إلى ما سبق ذكره، تلعب المصارف الاستثمارية دوراً محورياً في تمويل المشاريع الكبرى، مثل الطاقة، النقل، الإسكان، والصناعة التحويلية، فهي لا تكتفي بتوفير التمويل، بل تُشارك في دراسة الجدوى، وتقييم المخاطر، وتصميم الهيكل المالي المناسب، بما يضمن استدامة المشروع ونجاحه.
وفي السياق السوري، يُمكن لهذه المصارف أن تكون شريكاً حقيقياً في إعادة الإعمار، وتمويل مشاريع البنية التحتية الحيوية.
جذب الاستثمارات
ولفت الخبير قوشجي إلى تأثير المصارف الاستثمارية على أسواق المال والأسهم، من خلال إدارة الاكتتابات العامة وتطوير أدوات مالية قابلة للتداول، حيث تُساهم المصارف الاستثمارية في تنشيط أسواق المال، وزيادة السيولة، وتعزيز الشفافية، كما أنها تخلق فرصاً للمواطنين والمؤسسات للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، بدلاً من الاكتناز أو المضاربة غير المنتجة، وهذا بدوره يعزز من كفاءة السوق ويقلّل من التركز المالي.
تُشكل المصارف أدوات لجذب الاستثمارات الأجنبية لتكون رافعة حقيقية للتحول الاقتصادي
كما تُشكل المصارف الاستثمارية واجهة احترافية لجذب الاستثمارات الأجنبية، كما يرى الخبير الاقتصادي من خلال تقديم خدمات مالية متكاملة، وضمانات قانونية، وهياكل تمويل مرنة، إذ إن وجود مؤسسات مالية قوية وشفافة يُعزز من ثقة المستثمرين الدوليين، ويفتح الباب أمام شراكات استراتيجية في قطاعات حيوية، كما أن تبني صيغ تمويل إسلامية يوسّع من قاعدة المستثمرين المحتملين في العالم العربي والإسلامي.
ورغم الحاجة الملحّة لهذه المصارف، إلا أن البيئة السورية تواجه تحدّيات كبيرة، وفقاً لقوشجي، منها: ضعف البنية التشريعية والرقابية، غياب سوق مالية نشطة وشفافة، محدودية الكوادر المؤهلة في إدارة الاستثمارات، ضعف الثقة بين القطاع المالي والمستثمرين وتداخل المصالح الاحتكارية التي تعيق المنافسة.
إدارة المخاطر
ولدى سؤالنا عن كيفية قيام المصارف الاستثمارية بإدارة المخاطر في ظل التقلبات الاقتصادية، أوضح قوشجي أن المصارف الاستثمارية تتعامل مع المخاطر من خلال أدوات تحليل متقدمة، وتوزيع الاستثمارات، وتبني نماذج تمويل تشاركية تقلّل من العبء المالي على طرف واحد، كما أن التمويل الإسلامي، بما يحمله من مبادئ المشاركة والعدالة، يُوفر بدائل أكثر مرونة واستدامة في مواجهة الأزمات.
بالمحصلة، في ظل التغيرات العالمية والتحوّل نحو الاقتصاد الرقمي، وتزايد أهمية التمويل الأخلاقي والمستدام، فإن مستقبل المصارف الاستثمارية يتجه نحو الابتكار، والرقمنة، وتبني نماذج تمويل تشاركية.
وينوّه قوشجي بأنه في الحالة السورية، يُمكن لهذه المصارف أن تكون رافعة حقيقية للتحول الاقتصادي إذا ما تم دمج المصارف العامة، وبيع الفائض من أصولها الثابتة، وتعزيز مراكزها المالية، وتحديث بنيتها المؤسسية.
اقرأ أيضاً: