المنطقة تترقب «المجهول».. على ماذا انجلى غبار الحرب الإيرانية- الإسرائيلية؟

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

على الأغلب سيمضي وقت طويل قبل أن نعرف ما الذي جرى، كيف بدأ، وكيف انتهى، والتفاصيل ما بين البداية والنهاية، وماذا يجري حالياً، وهل سيصمد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، أم إن جولة ثانية قادمة لا محالة، أو إن هناك جولة ثانية ولكن ليس مع إيران، بل مع دولة أخرى على قاعدة «تغيير وجهة الشرق الأوسط» التي تعمل إسرائيل على تنفيذها؟

شعوب المنطقة خصوصاً المعنية مباشرة بحكم الجغرافيا ما زالت في وضعية اللا فهم حيال مسار التداعيات والتطورات إذا ما كانت على سياق الحرب الإيرانية- الإسرائيلية نفسها

كلها أسئلة- وغيرها كثير جداً- يتوالى ولا يتوقف عن فرض نفسه على الجميع حول العالم، حيث إن أحداً لا يعرف بالضبط ماذا حدث؟.. حرب بدأت فجأة وتوقفت فجأة، بدأت على غموض وانتهت على غموض، والمآلات بدورها غامضة، والأكثر غرابة ولا منطقية أن طرفيها الرئيسيين، إيران وإسرائيل، ومعهما الولايات المتحدة، يرى نفسه منتصراً، فيما المحللون بدورهم ينطلقون من أيديولوجيات ونظريات إما متطرفة وإما منحازة، وإما متناقضة.. أما «نحن» أي الجمهور، أي شعوب المنطقة، خصوصاً تلك المعنية مباشرة بهذه الحرب، بحكم الجغرافيا، فمازلنا لا نفهم شيئاً ولا ندرك يقيناً إلى أين ستقودنا التداعيات والتطورات إذا ما كانت على نفس سياق الحرب الإيرانية- الإسرائيلية؟

– ماذا بعد؟

حتى ترامب نفسه لا يكاد يعطي العالم (بمن فيه الأميركيون) جواباً شافياً، ويستمر في تصريحات ما بين بين، أو بعبارة أدق تصريحات (ربما- قد) أي قد تندلع جولة ثانية من القتال بين إسرائيل وإيران وقد لا تندلع، اتفاق وقف إطلاق النار يمضي ولا يمضي بشكل جيد، إيران ما زالت تشكل، ولا تشكل تهديداً… وهكذا.

تصريحات ترامب المتوالية والمتناقضة تضاعف حال الغموض والمخاوف في آن وتجعل جميع الأجوبة معلّقة على مخططات خاضعة لـ«البناء على مقتضى التطورات»

في أحدث تصريحات له خلال مؤتمر صحفي عقب قمة حلف الناتو في لاهاي/هولندا، التي انعقدت أمس الأربعاء، لم يستبعد ترامب احتمال استئناف الضربات بين إيران وإسرائيل في المستقبل القريب رغم ما سمّاه «حالة الإنهاك» التي يعاني منها الجانبان جراء «قتال شرس وعنيف» استمر لـ12 يوماً. وأضاف ترامب إن كلاً من إسرائيل وإيران وافقا على العودة «كلٌّ إلى عرينه»، ولكن هل يمكن أن يبدأ ذلك من جديد؟.. ترامب قال: نعم هذا ممكن وربما يحدث قريباً.

طبعاً هذه التصريحات تأتي بعد ساعات قليلة فقط من تصريحات مناقضة اعتبر فيها ترامب أنه لن يكون هناك استئناف للتصعيد العسكري بين الجانبين وأن وقف إطلاق النار يسير على ما يرام.

هناك جانب آخر في تصريحات ترامب عزز حالة الغموض واللا منطقية لما جرى، وأن أحداث حرب الـ12 يوماً كانت عبثية وكان فيها من الاستعراض الكثير، والكثير جداً من اللا مصداقية، ما قاد إلى موجة من التندر والسخرية استناداً إلى ما قاله ترامب في المؤتمر الصحفي ذاته.

ترامب تحدث حول الضربة الإيرانية على قاعدة «العديد» الأميركية في قطر (وبعد ساعات قليلة جداً من هذه الضربة تم إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار).. ترامب تحدث عن تنسيق إيران معه قبل الضربة قائلاً: كانوا (الإيرانيون) لطيفين جداً وأعطونا تحذيراً، قالوا إننا سنطلق النار على قاعدة العديد في قطر، الساعة الواحدة، هل يناسبكم هذا؟ قلت حسناً، وأخلي الجميع من القاعدة ولم يصب أحد.
وتابع ترامب: أسقطنا جميع الصواريخ الـ14 عالية التقنية التي أطلقتها إيران على القاعدة.

إذا كانت إسرائيل تفترض أنها انتصرت في الحرب وحيّدت إيران فهذا يعني أن الجولة المقبلة لن تكون مع إيران وإنما مع واحدة من الدول القائمة ضمن مخطط تغيير وجه المنطقة

ماذا عن مصر؟

مع ذلك، ربما هناك شيء واضح تصدّره تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حيال أن هناك جولة قتال ثانية، وقد لا تكون بعيدة. هذه التصريحات هي ما يتم التركيز عليه حالياً، وهناك أكثر من دولة مرشحة. فإذا كانت إسرائيل تفترض أنها انتصرت في الحرب، وأنها حيّدت إيران، فهذا يعني أن الجولة المقبلة لن تكون مع إيران، وإنما مع واحدة من الدول التي تتركز عليها التصريحات الإسرائيلية، ومنها مصر بصورة أكثر تحديداً، وهناك تركيا (وحتى باكستان قائمة على خريطة تغيير الشرق الأوسط وإن كانت الأمور بخصوصها غير واضحة بعد).

الجميع يتابع التصريحات الإسرائيلية حول مصر، وهي تسير وفق مسار تصاعدي خطير وخصوصاً عندما يتم الحديث عن التسلح المصري والتعاون الكبير مع الصين في هذا المجال.

المنطقة بمواجهة جميع السيناريوهات بما فيها حرب مفاجئة أخرى إذا ما أرادت إسرائيل ومن خلفها أميركا ذلك والسؤال الرئيس هنا هو حرب مفاجئة مع أي دولة؟

هذه التصريحات يقابلها تأهب واضح من مصر لمواجهة أي سيناريو يضعها في قلب العاصفة، أي في قلب مخطط التغيير وهو مخطط أميركي بالأساس (الشرق الأوسط الجديد) تم إعطاء مهمة استكماله لإسرائيل وذلك منذ انطلاقه أميركياً بالحرب على أفغانستان في عام 2001.

مصر على الأكيد تشكل حجر عثرة كبيراً في وجه هذا المخطط القائم على عدم وجود دول قوية في المنطقة، أو قوى إقليمية لا تكون فيها المصالح الأميركية هي المتقدمة. مصر عدا عن موقعها الجيوسياسي، لديها قناة السويس، وعلاقات مهمة ومؤثرة مع قوى دولية كبرى، خصوصاً الصين.. والأهم أن لديها نفوذاً وتأثيراً في الملف الفلسطيني عبر علاقاتها المتوازنة مع مختلف الفصائل الفلسطينية.

مع ذلك فإن استهداف مصر ليس بالضرورة أن يكون عبر الضربات العسكرية المباشرة، فقد يكون عبر تصعيد الضغوط الاقتصادي، أو استهداف الأمن المائي عبر سد النهضة (الأثيوبي).

ماذا عن تركيا؟

في أحد الجوانب، فإن تركيا مثل مصر، قد لا يكون هناك استهداف عسكري مباشر لها (إلا إذا كان الاستهداف على أرض ثالثة) لكن لا يخفى أن تركيا باتت تمثل طرفاً إقليمياً مزعجاً لإسرائيل وخصوصاً إذا ما وضعنا سوريا في الميزان الإسرائيلي/التركي. وسبق لإسرائيل أن وجهت رسالة نارية لتركيا على أرض سوريا في نيسان الماضي عندما نفذ الطيران الإسرائيلي غارات على مواقع بين حمص وحماة وقاعدة «تي فور» قيل أنها كانت تستخدم من قبل القوات التركية، وأنها مرشحة لتكون مواقع لقواعد تركية يتم التفاوض عليها مع القيادة السورية.

تلا ذلك سلسلة من اجتماعات تفاوضية بين إسرائيل وتركيا للاتفاق على ما يسمى «قواعد اشتباك» في سوريا. مع ذلك فإن أي تعاون بين تركيا وسوريا، في أي مجال، تعتبره إسرائيل مصدر تهديد لها، وعليه فإن تركيا تشكل تهديداً ولا بد من التعامل معه وتحييده.

الكثير من وسائل الإعلام التركية تركز على هذه المسألة، وتتحدث بصورة مباشرة عن أن إسرائيل تعتبر تركيا «هدفاً تالياً» لا بد من احتوائه، وتشير إلى التصريحات الإسرائيلية في هذا الإطار، ومنها لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي قال في 11 حزيران الجاري: «الإمبراطورية العثمانية لن تعود».. وإلى تحليلات في الصحف الإسرائيلية ترى أن إسرائيل «ستواجه تركيا في النهاية».

باكستان البعيدة.. ماذا عنها؟

دخلت باكستان دائرة التركيز الشديد خلال الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، بعد أن أعلنت وقوفها إلى جانب إيران بقوة وصولاً إلى استخدام النووي ضد إسرائيل إذا استدعى الأمر (وهذا ما لم تفعله الصين أو روسيا، الحليفتيان الأساسيتان لإيران، واللتان هما من القوى العالمية الكبرى). باكستان كموقع هي على أطراف المنطقة، ما يعني أنها لا تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل أو حتى للنفوذ الأميركي في المنطقة، لكنها بالمقابل دولة نووية (ومسلمة) وبعلاقاتها الوثيقة مع إيران فهي تمثل تهديداً لإسرائيل ولأميركا على المدى الطويل، هكذا يتم حساب معادلات القوة والنفوذ، فإذا ما افترضنا أن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية هي حرب تكسير رؤوس وتثبيت نفوذ، فهذا يعني أن الرأس الباكستانية ضمن هذه المعادلة، أو لنقل إن باكستان وضعت نفسها في هذا الموضع عبر الانحياز لإيران.

وسبق لترامب أن أشار خلال الحرب إلى تواصل مع باكستان، وهو ما تم اعتباره نوعاً من الاحتواء لها وإبعادها عن إيران، أقله حتى تنتهي الحرب، ويبدو أن ترامب حصل على ما يريد، وهو ما ظهر من خلال إحراج باكستاني للصين عبر دعوتها للتدخل إلى جانب إيران على قاعدة الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين.. ولم تعلق الصين.

المخطط مستمر

كل ما سبق، وما يتم وضعه في إطار الاستهداف غير المباشر، بمعنى أن لا جولة ثانية من القتال المباشر في المنطقة.. كله قد يُمحى بجرة قلم كما يقال، إذا ما أرادت إسرائيل ومن خلفها أميركا، وكما كانت الحرب على إيران مفاجئة، يمكن للمنطقة أن تكون على موعد مع حرب مفاجئة أخرى.. الأكيد أن مخطط تغيير وجه المنطقة ما زال مستمراً، وسيشهد تسارعاً في المرحلة المقبلة، وعليه فإن كل السيناريوهات قائمة.. لننتظر ونرَ.

Leave a Comment
آخر الأخبار
رغم التحديات.. (أغريتكس) الزراعي يفتتح معرضه محافظ اللاذقية يعلن عن إجراءات جديدة لضمان استقرار الخبز والأسواق معرض حلب الدوري الأول للكتاب يُشرع أبوابه بموسم ثقافي حافل في مقر منتدى حلب عاصمة الثقافة المنطقة تترقب «المجهول».. على ماذا انجلى غبار الحرب الإيرانية- الإسرائيلية؟ اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تعقد اجتماعاً تشاورياً في حمص: الإصغاء لجميع الآراء وإعادة النظر ... «صناعة دمشق وريفها» تبحث مع السفارة البولندية سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والصناعي بين البلدين تحوّل من فعالية محلية إلى منصة إقليمية عالمية... «فود إكسبو» يسهم في تعزيز الصادرات الغذائية السوري... جريمة رقمية بأبعاد قانونية.. الابتزاز الإلكتروني شبح الشاشات وخارطة النجاة برؤية خبراء نجاحها يعتمد على الشفافية والتعاون الإقليمي والدولي.. منحة البنك الدولي بداية لتحسّن محدود في قطاع ا... المال يؤمن ويجلب أسبابها.. اختصاصي نفسي: السعادة مصطلح فضفاض يصعب إدراكه