الحرية – فادية مجد:
تشهد سوريا اليوم مرحلة جديدة من التحول السياسي، حيث تنطلق أولى خطوات بناء مؤسسات ديمقراطية يوم الخامس من الشهر الجاري لتكون بداية جديدة ، وفرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة، وترسيخ مبدأ المشاركة الشعبية في صنع القرار، وسط تحديات كبيرة وآمال متجددة.
المحامية أليسار عبيد بينت لصحيفتتا “الحرية” أن الاستحقاق الانتخابي في سوريا هذه المرة يختلف جذرياً عن سابقاته، ليس فقط لأنه يأتي في سياق مرحلة جديدة تعيشها البلاد بعد سقوط نظام البعث، الذي كان قد فرّغ العملية الديمقراطية من مضمونها وحوّلها إلى شكلٍ أجوف يفتقر لأبسط المعايير الديمقراطية، بل لأن آلية الانتخابات نفسها قد تغيرت بفعل ظروف استثنائية فرضتها الأوضاع الراهنة.
ومن أبرز الأسباب التي دفعت إلى هذا التغيير حسب رأي عبيد صعوبة إجراء انتخابات مباشرة بالاقتراع الشعبي، نظراً لوجود مناطق سورية مدمّرة ومهجرة بالكامل، بالإضافة إلى ملايين السوريين الذين يعيشون في المخيمات أو في دول اللجوء، ما يجعل من المستحيل تنظيم قوائم انتخابية تعكس الواقع بدقة. مضيفة أنه بناء على ذلك، لجأت الحكومة السورية المؤقتة إلى اعتماد آلية استثنائية للانتخابات، تقوم على تشكيل هيئات ناخبة تتولى انتخاب ممثليها في مجلس الشعب، بحيث يشكّل هؤلاء ثلثي أعضاء المجلس، بينما يُعيّن الثلث المتبقي من قبل رئيس الجمهورية ، وهي خطوة أكثر ديمقراطية مقارنة بالصيغ السابقة التي كانت معتمدة قبل سقوط النظام ، فقد تم فتح باب الترشح لعضوية الهيئات الناخبة وفق معايير محددة، كما أُتيح المجال لتقديم الطعون بحق من لا يستوفون تلك المعايير، ما أدى إلى استبعاد عدد من المرشحين من اللوائح الانتخابية.
مبينة أن هذه الانتخابات تشهد لأول مرة تنافساً بين المرشحين على أساس البرامج الانتخابية التي يطرحها كل منهم ويناقشها أمام الهيئة الناخبة، وهو ما يعكس حرص اللجنة العليا للانتخابات على اختيار مرشحين يتمتعون بالكفاءة ويحملون مشاريع واضحة.
وأكدت عبيد أن هذه المعايير يجب أن تكون حاضرة في السلطة التشريعية المقبلة، التي يقع على عاتقها مسؤولية سن القوانين والتشريعات اللازمة للمرحلة القادمة، سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو القانونية وغيرها ، ويأتي ذلك بالتوازي مع الانفتاح الذي تشهده سوريا، والذي تعمل القيادة السورية على ترسيخه بجهود استثنائية على المستويات العربية والإقليمية والدولية، وهو ما يتطلب أرضية تشريعية صلبة تواكب هذا الحراك السياسي، وتنعكس إيجاباً على المجتمع السوري الذي يواجه ظروفاً اقتصادية قاسية، من تدني مستوى الدخل، وارتفاع معدلات البطالة، وغياب الاستثمارات، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي بدأت تُرفع تدريجياً، ما يفتح المجال أمام النمو وتحريك عجلة الاستثمار.
وختمت عبيد بالتأكيد على أن الشعب السوري يمتلك من الكفاءة والقدرات ما يؤهله لتحقيق إنجازات عظيمة، وقد أثبت ذلك في المجتمعات التي لجأ إليها أو هاجر إليها خلال سنوات الحرب، ومن هنا فإن على الدولة السورية بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، أن توفر له البيئة المناسبة التي تتيح له النهوض والإبداع، ليعود كما كان رائداً ومبدعاً وسبّاقاً ، ليس فقط في المنطقة العربية، بل على مستوى العالم .
ويرى نقيب صيادلة طرطوس هلال صبره أن المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية ليست مجرد إجراء دستوري، بل تجسيد فعلي لإرادة الشعب وتطلعاته نحو مستقبل أفضل ، وقد شهدت عملية انتخاب المجلس الجديد تغييرات جوهرية في آليات اختيار الأعضاء، من خلال تشكيل لجان وهيئات ناخبة لضمان تمثيل نوعي وكفوء ، موضحاً أن مجلس الشعب الجديد لديه مسؤوليات وطنية كبيرة ، تبدأ بإقرار دستور دائم يرسّخ الحقوق والحريات، واقتراح القوانين وتعديلها أو إلغائها ، واعتماد الموازنة العامة، ومراجعة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية بما يضمن سيادة سوريا ومصالحها العليا ، لافتاً إلى أنه من أبرز الأولويات التشريعية المقبلة إصلاح السياسات الاقتصادية، ومكافحة الفساد ودعم قطاع الأعمال وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز مشاريع التعافي وإعادة الإعمار ، إلى جانب توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في مختلف المناطق.
وأكد صبره أن صوت المواطن في صناديق الاقتراع هو الأساس في بناء سوريا الجديدة، وأن التغيير الحقيقي لا يتحقق إلا بمشاركة الجميع في صنع القرار.
من جهته أكد المحامي ياسر محرز أن المرحلة الحالية تشكل منعطفاً تاريخياً في مسار بناء الدولة بعد عودة الحياة البرلمانية، مشدداً على أن المشاركة الشعبية الواسعة ليست فقط حقاً دستورياً، بل هي واجب وطني يعزز الشرعية الشعبية واستقلال القرار الوطني.
وأشار إلى أن الانتخابات القادمة تمثل لحظة تأسيسية تعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة، وتمنح المؤسسات شرعية نابعة من الداخل ، موضحاً أن البرلمان الجديد يجب أن يكون أداة إصلاح حقيقية، لا واجهة شكلية، وأن اختيار المرشحين يجب أن يتم بناء على الكفاءة والنزاهة والخبرة، بعيداً عن الانتماءات الضيقة والوعود الشعبوية.
وطالب محرز البرلمان المقبل بتفعيل دوره الرقابي والتشريعي، والعمل على ملفات الإصلاح الاقتصادي، وتحسين التعليم والصحة، وضمان الحريات، والتصدي للفساد عبر قوانين فعالة ومؤسسات قوية.
وختم محرز بالاشارة إلى أن الانتخابات ليست غاية، بل بداية لمسار طويل ، يتطلب متابعة شعبية لضمان التزام النواب بوعودهم ، مضيفاً أن ارتفاع نسب المشاركة سيكون رسالة واضحة للعالم بأن الشعب السوري قادر على تقرير مصيره، وأن التجربة الديمقراطية تنضج وتترسخ رغم كل التحديات.