سوريا على أعتاب اندماج مالي عالمي.. خطوات نقدية ودبلوماسية لاستعادة الثقة والأصول المجمدة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم:

أوضح الخبير المالي والمصرفي محمد علي أن التصريحات الأخيرة التي تحدث عنها حاكم مصرف سوريا المركزي تؤكد أن البلاد تشهد تطورات مهمة على صعيد إعادة دمج اقتصادها في النظام المالي العالمي، مشيراً في حديثه لـ«الحرية» إلى أن هذا المسار الاستراتيجي بدأ منذ سقوط النظام البائد، وتكتسب هذه الخطوات أهمية بالغة على مستوى السياسة المالية والنقدية، خاصة في ظل جهود الحكومة السورية لتعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع المجتمع الدولي.

الدبلوماسية الاقتصادية وتفكيك العقوبات

وأشار علي إلى أن الجهود الدبلوماسية والاقتصادية تُترجم بشكل عملي في الزيارات المتتالية للوفد الحكومي السوري رفيع المستوى إلى نيويورك، بدءاً من نيسان 2025، حيث التقى الوفد المكوّن من وزيري المالية والاقتصاد، بالإضافة إلى حاكم المصرف المركزي، مع مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين. جاءت هذه اللقاءات في وقت حاسم يتزامن مع تطورات تشريعية مهمة، أبرزها قرار الرئيس الأمريكي في 30 يونيو برفع بعض العقوبات الأمريكية «العادية»، وهو ما يُعد خطوة أولية مهمة نحو تخفيف الضغط الاقتصادي على سوريا. كما تطرّق الخبير الاقتصادي إلى أهمية تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً على إزالة قانون «قيصر»، ما يشير إلى أن مسار رفع العقوبات يسير بشكل تدريجي نحو نتائج ملموسة. وفي حال إزالة قانون قيصر بشكل نهائي، سيكون هذا تطوراً كبيراً من شأنه أن يفتح أمام سوريا مرحلة اقتصادية جديدة تتطلب استعداداً استراتيجياً كاملاً.

خبير اقتصادي ومالي: فتح حساب للمصرف المركزي في الاحتياطي الفيدرالي خطوة ضرورية

استعادة الثقة المصرفية وتحرير الأصول

وأفاد الخبير الاقتصادي أن من أبرز الأهداف التي يسعى الوفد الاقتصادي السوري إلى تحقيقها هو استعادة الثقة في النظام المصرفي الدولي، وتحديداً من خلال فتح حساب لمصرف سوريا المركزي لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومن ثم توسيع شبكة التعاملات المصرفية مع المصارف المركزية الإقليمية والدولية. كما أشار إلى أن فتح حساب لمصرف سوريا المركزي في الاحتياطي الفيدرالي هو خطوة ضرورية للعودة إلى نظام التحويلات المالية العالمي (SWIFT)، وهو ما سيمكّن سوريا من استعادة الأصول المجمّدة في البنوك العالمية. ورغم إن حجم الأصول المودعة في البنوك قد لا يكون كبيراً، فإن الأمر الأكثر أهمية هو تحرير حقوق السحب الخاصة التي تُقدّر بنحو نصف مليار دولار في صندوق النقد الدولي، وهو مبلغ يمكن أن يعزز الاحتياطي النقدي لسوريا ويوفر المزيد من الاستقرار الاقتصادي.

الإصلاحات الهيكلية والسياسة النقدية

شدّد علي على أهمية الإصلاحات الهيكلية التي يجب أن تتبعها سوريا لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام، مشيراً إلى أهمية السياسات النقدية والمالية، ومعرباً عن أهمية تصريحات حاكم المصرف المركزي حول أن وزارة المالية لم تقترض أي ليرة من المصرف المركزي منذ بداية العام، ما يعكس خطوة مهمة نحو تجنّب التمويل التضخمي الذي قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية. وفي هذا السياق، تساءل الدكتور علي عن مصادر الإيرادات التي تعتمد عليها وزارة المالية لتغطية النفقات المتزايدة، معتبراً أن الاستعانة بخبراء صندوق النقد الدولي لتقديم المشورة في إعداد الموازنات وتمويل العجز بعيداً عن الإصدار النقدي هو أمر ضروري لضمان استقرار النظام المالي في سوريا.

إحياء المصارف الاستثمارية بوابة لتدفق رؤوس الأموال

واعتبر الخبير الاقتصادي أن هناك مؤشراً إيجابياً آخر هو التحرك نحو إحياء قانون المصارف الاستثمارية، والذي يتزامن مع اهتمام متزايد من المصارف العربية والخليجية بالاستثمار في سوريا، مؤكداً أن الحكومة السورية بصدد إصدار التعليمات التنفيذية لقانون المصارف الاستثمارية رقم 56 لعام 2010، الذي يهدف إلى فتح المصارف الاستثمارية في سوريا. وهذا النوع من المصارف يتميز بقدرته على تقديم خدمات مالية متقدمة تشمل إدارة المحافظ الاستثمارية وتمويل المشاريع الكبرى، وهو ما سيعزز من تدفق رؤوس الأموال إلى السوق السوري. كما أشار إلى أن القانون المذكور يحدّد رأس المال المطلوب للمصرف الاستثماري بـ20 مليار ليرة (ما يعادل حوالي 400 مليون دولار بأسعار الصرف لعام 2010)، وهو ما يعكس استقراراً مالياً ويجذب المصارف ذات الملاءة المالية العالية إلى السوق السوري. وأكد علي أن هذه الخطوة تُعد ضرورية لدعم عملية إعادة الإعمار والنمو المستدام في سوريا، حيث إن المصارف الاستثمارية ستمثّل محرّكاً مهماً لتوفير التمويل اللازم لمشروعات البناء والبنية التحتية.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى القول إن سوريا تسير في مسار اقتصادي يشهد تغييرات جوهرية على مستوى السياسة المالية والنقدية، وتستند هذه التغييرات إلى جهود دبلوماسية واقتصادية واضحة، تركز على إزالة العقوبات واستعادة الثقة المصرفية، إلى جانب إحياء المصارف الاستثمارية التي ستكون ركيزة أساسية في جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم عملية إعادة الإعمار.

Leave a Comment
آخر الأخبار