الحريّة – ميليا اسبر:
“بوابة دمشق” اتفاقية بين وزارة الإعلام ومؤسسة “المها” الدولية للإنتاج الإعلامي، مشروع اقتصادي- ثقافي- تنموي متكامل، يهدف إلى إعادة إحياء الدور الثقافي والإعلامي لسوريا، مع تحفيز الاقتصاد عبر استثمارات ضخمة وتوفير فرص عمل، ما يسهم في بناء “سوريا الجديدة” وفق رؤية إستراتيجية، تدمج بين الهوية الحضارية والانفتاح على العالم.
تأهيل الكوادر الإعلامية
رئيس الأكاديمية السورية الدولية – مدير مركز الشرق الأوسط للتدريب الإعلامي د. نزار ميهوب، أوضح أنه ستكون لهذه الاتفاقية دور كبير في تأهيل الكوادر الإعلامية السورية، وخاصة بعد سنوات من العزلة الدولية التي أثرت في تطور القطاع، حيث إن وجود مراكز تدريب متخصصة مزودة بأحدث التقنيات سيمكن الصحفيين والفنيين من اكتساب مهارات عالية في الإنتاج الإعلامي والسينمائي وفق المعايير العالمية. كذلك وجود شركات إنتاج عالمية، سيفتح الباب لتبادل الخبرات وتحديث المناهج التدريبية لمواكبة التحولات الرقمية، إضافة إلى أنّ توفير بيئة عملية داخل الاستوديوهات المتطورة سيعزز الخبرة الميدانية للشباب السوري ويرفع كفاءتهم التنافسية.
د. ميهوب: فرصة لتأهيل الكوادر الإعلامية بعد سنوات من العزلة الدولية
وأضاف د. ميهوب: إنّ هذه الاتفاقية تمثل فرصة حيوية لإعادة تأهيل الكوادر الإعلامية السورية بعد سنوات من العزلة الدولية التي أثرت في جودة المحتوى والتقنيات والمهارات، وذلك من خلال برامج التدريب العملي وتبادل الخبرات، وتطوير المهارات التقنية (صحافة البيانات، الإعلام الرقمي)، وتعزيز المعايير المهنية (الموضوعية، المصداقية، المواطنة الإعلامية)، مواكبة أحدث أدوات الإنتاج الإعلامي (تقنيات البث، الذكاء الاصطناعي في الإعلام) وبناء شبكات إقليمية ودولية لدعم الإعلاميين السوريين، كل هذا سيكون مهماً في مرحلة بناء سوريا الجديدة.
توجه جديد للحكومة
وبيّن د. ميهوب أنه من الواضح أن لدى الحكومة توجهاً جدياً للاهتمام بالإعلام وإحداث نقلة نوعية فيه، ووجود وزير للإعلام من خلفية مهنية (ابن الكار كما يقولون) أمر مهم لرسم سياسات جديدة لتطوير هذا القطاع الحيوي والمهم.
د: ميهوب: توجه جدّي لدى الحكومة للاهتمام بالإعلام وإحداث نقلة نوعية فيه
ولفت إلى أن الإعلام هو القناة الأهم في بناء هوية جامعة لسوريا والسوريين، وفي عاجل الأيام منوط به إعادة إنتاج صورة وسمعة الدولة السورية، وتصدير هذه الصور للعالم، مؤكداً أن لدينا في سوريا كل مقومات النجاح. صحيح أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية فيها الكثير من المصاعب والمشكلات البنيوية، وهذا أمر طبيعي في هكذا تغييرات جيوسياسية كبيرة تحدث كل 50 إلى 70 سنة مرة، لذلك فإن المهام الملقاة على عاتق الحكومة كبيرة جداً.
وهنا يجب التنويه بضرورة تحسين المحتوى الإعلامي من خلال تبني معايير عالمية في التحقيق والتحليل، ما يزيد مصداقية الإعلام السوري. ومن الضروري جداً إنتاج محتوى تنافسي عبر دعم الإبداع في البرامج الوثائقية والدرامية والصحافة الاستقصائية، إضافة إلى فتح آفاق التمويل والتعاون مع مؤسسات إعلامية دولية، ما يعزّز الانتشار الإقليمي، مبيناً أن النجاح يعتمد على التمويل المستدام، استقلالية الإعلام، وبيئة تشريعية داعمة، وهذا ما تعمل عليه وزارة الإعلام في الفترة الماضية.
ونوه د. ميهوب بأنه بعد تنفيذ المشروع سيكون للإعلام السوري تأثير أكبر بفضل البنية التحية، استوديوهات بتقنيات حديثة تتيح إنتاج محتوى بجودة عالية (دراما، أفلام، برامج)، جذب استثمارات إعلامية وتحويل سوريا إلى مركز جذب لشركات الإنتاج العربية والعالمية، ما يعزز التبادل الثقافي، وهذا يحتاج طبعاً استقراراً أمنياً واجتماعياً، وهو ما تعمل عليه الحكومة.
الإعلام شريك في التنمية
ولدى السؤال فيما إذا كان الإعلام شريكاً في التنمية (لا ناقلاً فقط) أجاب أنه يمكن أن يكون الإعلام فاعلاً تنموياً عبر التوعية بالمشروعات التنموية، كشرح أهداف التنمية المستدامة، أو متابعة تنفيذ الخطط الحكومية والرقابة المجتمعية، كشف الفساد أو التقصير في المشاريع الخدمية، تعزيز المشاركة المجتمعية، من خلال منصات حوارية حول السياسات العامة، والترويج للاقتصاد المحلي عبر تسليط الضوء على المبادرات الصغيرة والاستثمارات الواعدة.
ولفت إلى أن وزارة الإعلام تولي مسألة تدريب الإعلاميين اهتماماً خاصاً، وهنا تكمن أهمية التأهيل والتدريب على صحافة التنمية، وربط القضايا الإعلامية بالأولويات الوطنية، حيث يمكن أن يكون الإعلام شريكاً فاعلاً في التنمية عبر التوعية بقضايا التنمية من خلال إنتاج برامج تسلط الضوء على مشاريع البنية التحتية، التشغيل، التعليم، والصحة، وتعزيز الاقتصاد الإبداعي، علماً أن المشروع سيوفر آلاف الفرص الوظيفية ويطوّر صناعات مرتبطة بالإنتاج الإعلامي والتلفزيوني والسينمائي. كما سيكون له دور كبير في إعادة صياغة صورة وسمعة الدولية السورية في الخارج.
مضيفاً: إنه سيسهم في إبراز إنجازات سوريا التنموية عبر محتوى إعلامي يخاطب العالم بلغة احترافية. وهنا يأتي دور صانع القرار السياسي والإداري في توفير كل ما يلزم للإعلام والإعلاميين ليكونوا شركاء في بناء وطن لكل السوريين نحلم فيه منذ عقود.
استجابة لحالة القطاع الإعلامي والدرامي
بدوره الدكتور زكوان قريط اختصاص تنمية بشرية، أكد أن هذه الاتفاقية تأتي كاستجابة لحالة القطاع الإعلامي والدرامي السوري بعد سنوات من التحديات التي شملت:
أولاً فجوة المهارات العملية، باعتماد الكوادر على المعرفة النظرية من دون تطبيق ميداني بسبب نقص المراكز التدريبية المتطورة.
ثانياً، العزلة المهنية: انقطاع التواصل مع التطورات التقنية والفنية العالمية خلال سنوات الحرب السابقة.
ثالثاً الحاجة لإعادة الإعمار الإعلامي والثقافي: ضرورة إحياء الصناعة الإبداعية كرافد للهوية الوطنية والتنمية الاقتصادية.
التفاصيل الإستراتيجية
وأوضح أن التفاصيل الإستراتيجية للأهداف المعلنة هي التأهيل العملي المتكامل، والتركيز على برامج “التدريب الميداني” في مجالات: تقنيات الإنتاج الرقمي (المؤثرات البصرية، المونتاج السينمائي)، وكذلك إدارة المشاريع الإعلامية المستدامة، وأيضاً كتابة السيناريو الحديثة وفق المعايير الدولية، تصميم ورشات عمل بإشراف خبراء من شبكات دولية (مثل HBO، BBC) لضمان نقل الخبرات الفعلية، كسر العزلة عبر آليات ملموسة، وإنشاء منصة تبادل إلكترونية تتيح للكوادر السورية المشاركة في مسابقات إبداعية عربية ودولية، الوصول إلى مكتبات محتوى تدريبي عالمي، التواصل المباشر مع منتجين ومخرجين في دول المشرق العربي. وكذلك تعزيز المهارات القابلة للتسويق إضافة إلى تطوير شهادات مهنية معتمدة دولياً في تخصصات نادرة مثل إدارة محتوى منصات البث الرقمي (OTT) وصناعة الأفلام الوثائقية التفاعلية، وأيضاً أمن المعلومات الإعلامية.
د. قريط: هذه الخطوة تعكس إدراكاً عميقاً بأن إعادة الإعمار تبدأ بالعقل قبل الحجر
التحديّات وآلية تخطيها
وكشف د. قريط عن التحديات المحتملة التي يمكن أن تواجه هذا المشروع وآليات التغلب عليها، وأهمها: تحدي التمويل، والحل يكون من خلال شراكات مع منظمات مثل “الصندوق العربي للثقافة والفنون، إضافة إلى مخاطر هجرة الكفاءات، لذلك يجب ربط التدريب بمشروعات محفّزة مالياً مثل: (إنتاج مسلسل وطني ضخم)، البنية التحتية التقنية: والحل يكون من خلال استخدام حلول “الاستديو الافتراضي” لتقليل التكاليف.
د. قريط: الاتفاقية تمثل حجر الزاوية في خطة أوسع لإعادة إعمار القطاعين الإعلامي والثقافي
واعتبر أن هذه الاتفاقية تمثل حجر الزاوية في خطة أوسع لإعادة إعمار القطاع الإعلامي والثقافي السوري، حيث يمكن أن تقود إلى انتعاش السياحة الإبداعية عبر استوديوهات مفتوحة للزوار، وتصدير المحتوى السوري كمنتج نوعي يعكس تراثًاً ثقافياً فريداً، إضافة إلى خلق جيل جديد من الرواة القادرين على تقديم رواية سورية أصيلة للعالم.
وختم بالقول: إنّ هذه الخطوة تعكس إدراكاً عميقاً بأن “إعادة الإعمار تبدأ بالعقل قبل الحجر”، وإن الصناعة الإبداعية هي رافعة التنمية الأكثر استدامة في مراحل ما بعد الأزمات.