الحرية-رحاب الإبراهيم:
من “غامض علم” المواطن ارتفعت أسعار الخضراوات والفواكه في أسواق مدينة حماة، على خلاف المتوقع، وسط دهشته من هذا التحول المفاجئ، الذي أرجعه البعض إلى موجة الحر، التي ضربت البلاد الأسبوع الفائت، على نحو قلل الكميات الموردة إلى الأسواق، في حين حمل البعض الآخر المسؤولية إلى بعض القرارات ومنها منع استيراد بعض أنواع هذه المنتجات، التي قد يسهم ارتفاعها في تحقيق ربح للفلاحين المتضررين في أرزاقهم، لكنه بالوقت ذاته ينعكس سلباً على العائلات، التي وجدت في انخفاض السلع الأساسية بما فيها الخضراوات نقطة مضيئة خلال الفترة الماضية تمكنها في تأمين احتياجاتها من دون ضرب أخماس في أسداس، مطالبين باتخاذ الإجراءات المطلوبة لإعادة أسعار هذه السلع إلى انخفاضها ومنع التجار من استغلال هذا القرار لمصلحة جيوبهم.
“الحرية” جالت في أسواق حماة وريفها، ولاحظت فعلاً الارتفاع الواضح في أسعار الخضراوات، وتحديداً الخيار، الذي قفز فجأة إلى ١١ ألف ليرة في الأرياف، والبندورة وصل سعرها إلى ٦ آلاف، والبطاطا إلى ٥٥٠٠ ليرة، والفاصولياء إلى ١٥ ألف ليرة، والباذنجان إلى ٣ آلاف ليرة، والفليفلة إلى ٨ آلاف، وهو ما دفع الكثير من العائلات إلى إعادة قائمة استهلاكها، وخاصة أنها لم تعد تعرف كيف تدير احتياجاتها اليومية بعد ارتفاع معظم السلع الأساسية من البرغل والرز والزيت والفروج، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً لضبط الأسواق وعدم تركها تحت رحمة التسعير الهوائي للتجار، الذي رفعوا أسعارهم فوراً بعد ارتفاع سعر الصرف بين ليلة وضحاها.
عوامل متعددة
الباحث الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة اعتبر في حديثه لصحيفة “الحرية” أن ارتفاع الخضراوات حالياً يرجع إلى جملة عوامل منها موجة الحر، وأيضاً اتخاذ بعض القرارات الاقتصادية دون دراسة وافية، ومنها قرار منع استيراد بعض أصناف الخضراوات، فالمنتجات الزراعية تقع في خانة التنبؤات، لعدم التزام المزارعين بالخطط الحكومية وعدم وجود جهات تخطط وتدرس حجم الطلب في الأسواق وتقدم إرشادات للمزارعين حول التنبؤ بالأسعار المستقبلية قبل بدء الزراعة، وهذه من مهام اتحادات غرف الزراعة وغرف التجارة .
الباحث الزراعي عبد الرحمن قرنفلة: ضرورة إعادة هيكلة القطاع الزراعي واعتماد الزراعة التعاقدية
واعتبر قرنفلة أن قرار منع استيراد بعض أنواع الخضار والفواكه له وجهان، إيجابي عبر مساهمته في تحسين أسعار المبيع للفلاحين رغم توقعه أن يبتلع العاملون في سلاسل التسويق أي زيادة في الأسعار، ووجه سلبي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار مع خفض حجم المبيعات وإضعاف حجم الطلب والاستهلاك، فكلما ارتفع سعر السلعة انخفض الإقبال عليها.
إحصائيات دقيقة
وشدد قرنفلة على ضرورة ألا تصدر أي قرارات من دون الاستناد إلى إحصائيات دقيقة لما يتم زراعته وإنتاجه وتسويقه من الخضار ( حجم العرض)، وكذلك غياب أرقام إحصائية دقيقة عن حجم الاستهلاك الداخلي والخارجي منها ( حجم الطلب )، حيث تبقى قرارات انفعالية لا تستند إلى منطق علمي ونتائجها على الأسواق تحمل اضطراباً على كافة المنتجين والعاملين في السلاسل التسويقية.
وبيّن قرنفلة أن منع خسائر الفلاحين المتكررة واضطرارهم إلى بيع منتجات دون التكلفة يتوقف حينما توجد جمعيات فلاحية إنتاجية مخصصة بتسويق المنتجات الزراعية لمصلحة أعضائها وهو المعمول به في الدول المتطورة زراعياً مثل أمريكا وأوروبا.
الزراعة التعاقدية
وشدد المهندس قرنفلة على أن المطلوب لتحسين الواقع الزراعي وتسويق محصول الفلاحين بأسعار مقبولة للفلاح والمواطن تشجيع الزراعة التعاقدية واستصدار القوانين واللوائح المطلوبة لترسيخ مفاهيم هذه الزراعة، التي تشكل ضماناً لضبط المساحات المزروعة بكل نوع من الخضراوات، وضماناً لتسويق منتجات المزارعين بأسعار منصفة، لأن الشركات والجهات العاملة في تسويق الحاصلات الزراعية وفق مبادئ الزراعة التعاقدية تتولى مسؤولية إنجاز دراسات إحصائية دقيقة لحجم الاستهلاك المحلي والاستهلاك الخارجي وتواريخ الجني أو الجمع ومواعيد التسويق وتحديد مواصفات فنية للعمليات الزراعية ولمواصفات المنتج النهائي وطرق الحصاد أو الجمع وأساليب التعبئة والتغليف، وهذه جميعها تسهم بالحد من اضطرابات الإنتاج والتسويق، مبيناً أن العديد من الدول العربية سبقتنا بهذا المجال، ومن المفيد الاستفادة من التجربة المصرية في هذا الإطار.
إعادة هيكلة
وأوضح المهندس قرنفلة أن القطاع الزراعي بحاجة إلى إعادة هيكلة وتنظيم وتشكيل اتحادات أهلية غير سياسية نوعية كـ ( اتحاد مربي الأبقار الحلوب، اتحاد منتجي الفواكه، اتحاد منتجي الخضار، واتحاد تعاونيات تسويق المنتجات الزراعية )، يقود العمل فيها هيئات منتخبة من أصحاب المصلحة الحقيقيين، وتشكيل جمعيات إنتاجية تعاونية متخصصة في توفير مستلزمات الإنتاج وثانية متخصصة بتوفير خدماته (تعاونية مكننة زراعية ..تعاونيات توفير الأسمدة والمبيدات وغيرها)، وجمعيات تخصصية بتسويق الإنتاج.