بين الفن والعلم.. الإسطرلاب المعقد تحفةٌ مريم العجلية وإرثها الفلكي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – رنا بغدان:

رُسمت السماء على وجه “الإسْطُرلاب” كي يسهل إيجاد المواضع السماوية عليه، فسمي بعلم “هيئة السماء” كما أطلق عليه العرب اسم “ذات الصفائح” في حين سمّاه اليونانيون “آخذ النجوم” أو “معمل النجوم المأخوذة”، كما طُبعت على ظهره جداول مبتكرة مكنت علماء الفلك الذين استخدموه كساعات جيب في القرون الوسطى من حلّ المسائل المتعلقة بأماكن الأجرام السماوية وتقدير الوقت.. وعلم “الإسطرلاب” هو أحد فروع علم الفلك أو ما يعرف باسم علم “هيئة السماء”، ويتناول دراسة الأجرام السماوية البسيطة ومواقعها وحركتها الظاهرة بالقبة السماوية كما يعمل على ضبطها.
ويقال: إن كلمة  “الإسطرلاب” يونانية الأصل ومعناها ميزان الشمس أو مرآة النجم ومقياسه، وهو باليونانية أسطرلافون أو أصطرلافون، لأن “أصطر” هو النجم و”لافون” معناها المرآة، ومنه سمي أيضاً علم النجوم باسم “أصطريوميا”.
و”الأَسْطُرلاب” آلة فلكية قديمة وكانت أداة مهمة للملاحين والعلماء في تحديد الاتجاهات والوقت وحركة الأجرام السماوية، وكان الفلكيون القدماء يعرفون حركة الكواكب بهذه الآلة ويعينون موضعها، ويقيسون ارتفاعها.. وكانت صناعة الإسطرلاب من أهم الصناعات العربية القديمة، وقد طور علماء الفلك المسلمون الإسطرلاب تطويراً كاملاً في العهد الإسلامي، وأضافوا إلى المعرفة الإنسانية الكثير حوله وذلك بسبب حاجتهم لتحديد مواعيد الصلاة ومواعيد الصيام والإفطار والحج واتجاه القبلة، والمناسبات الدينية، وكذلك بدايات ونهايات الشهور القمرية العربية، وبقي مستخدماً على نحو شائع حتى سنة 1800م. كما استخدموه في الملاحة البحرية لتعيين زوايا ارتفاع الأجرام السماوية بالنسبة للأفق في أي مكان لحساب الوقت والبعد عن خط الاستواء.
ويتكون “الإسطرلاب” من العديد من القطع وله تصاميم متنوعة ونماذج ذات مؤشرات فنية على شكل كرات، ونجوم، وثعابين، ويدين، ورؤوس كلاب، وأوراق الشجر.. وله أنواع مختلفة منها: المسطح “ذو الصفائح”, الكروي, ذو الحلق، الخطي “عصا الطوسي” الزورقي، المعقد..
ويذكر ابن النديم في كتابه “الفهرست” أنَّ الفزاري (ت نحو 180هـ/ 796م): (هو أول من عمل في الإسلام إسطرلاباً، وعمل إسطرلاباً مبطحاً ومسطحاً). أما “الإسطرلاب المعقد” فقد تمّ اختراعه على يد “مريم الإسطرلابي”  ثم قامت بتطويره على مراحل عديدة، حيث عُرف بأنه نموذج ثنائي الأبعاد لشكل القبة السماوية، يعمل على وصف شكل السماء في وقت مُعين ومكان مُعين حسب تحديد المستخدم، وقد قامت مريم برسم شكل السماء عليه بمختلف الأجرام السماوية وأماكنها بالتحديد ليتمكن المستخدم من التعرف على شكل السماء وطبيعة الساعات وغيرها.
وقد لقبت مريم العجلية بـ “مريم الإسطرلابية” نسبةً إلى إتقانها ومهارتها في صناعة الإسطرلاب، وقد عاشت في مدينة حلب في سوريا في القرن العاشر الميلادي، أثناء ما يعرف بالعصر الذهبي للعلوم الإسلامية. فقد نشأت مريم في بيئة رياضية وفلكية وتعهدها والدها “كوشيار الجيلي” المتُوفِى عام (٤٢٠هـ / ١٠٢٩م)، أو الكيلاني الذي يعد واحداً من علماء الفلك المهمين في عصره، بالعلم فتتلمذت على يديه وتدرجت في العلوم بداية من الفلك مروراً بالرياضيات، ثم الهندسة، وتعمقت في هذه العلوم لدرجة إتقانها للمعادلات والحسابات المعقدة حتى بلغت مبلغاً في علم الفلك، فاختارها أمير حلب سيف الدولة الحمداني للعمل في مجال الفلك في بلاطه بجوار عدد من كبار العلماء في كل العلوم والمعارف المشهورة في الفترة من عام 333 حتى 356 هجرية الموافق 944 حتى 967 ميلادية، لتسهم في نقلة علمية في مجال علم الفلك وتصنيع الإسطرلابات ولتظل سيرتها خالدة حتى عصرنا الحالي.

Leave a Comment
آخر الأخبار