الحرية- محمد زكريا:
في خطوة رائدة ومهمة، لتعزيز التخطيط الزراعي في سوريا، أنجزت الباحثة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي خريطة شاملة للنشاطات الزراعية على مستوى القطر، بالتعاون مع كل الوحدات الإرشادية البالغ عددها 1206 وحدات على امتداد الجغرافيا السورية، خلال فترة الثورة، وأعدتها باللغتين العربية والإنكليزية.
“الحرية” حصلت على نسخة من الكتاب- ومنه فإن هذا العمل لم يكن مجرد كتاب، بل هو بمنزلة بوصلة عملية لوزارة الزراعة السورية في كل المراحل، حيث وفر خريطة دقيقة توضح توزع الأنشطة الزراعية النباتية والحيوانية على مستوى الوحدات الإرشادية.
غنى زراعي
ولعلّ العودة إلى التفاصيل القائمة في الكتاب، فإنها تعطينا لمحة عن غنى سوريا الزراعي وتنوعه، ففي ريف دمشق: يتصدر الزيتون قائمة الأنشطة، تليه تربية الأبقار والأغنام، ثم القمح المروي، وفي درعا يقع القمح البعل في المرتبة الأولى، يليه الأبقار والأغنام، ثم القمح المروي والزيتون، أما في السويداء، حيث يبرز النشاط الأبرز، وهو تربية الأبقار، يليه القمح البعل والزيتون، أما في القنيطرة وحمص، وحماة، حيث فيهم تتقدم تربية الأغنام والأبقار إلى جانب الزيتون كأنشطة أساسية، في حين منطقة الغاب وحلب، حيث يتصدر القمح المروي المشهد، يليه الأبقار والزيتون، بينما في إدلب يأتي القمح المروي والبعل وهما الأكثر انتشاراً، يتبعهما الزيتون والفستق الحلبي، مع وجود محدود لتربية الأغنام، وفي الساحل (اللاذقية وطرطوس)، يتربع الزيتون على القمة، تليه الحمضيات، ثم الأبقار، الزراعات المحمية، وتربية النحل، أما في الرقة ودير الزور، حيث تتصدر الزراعة المروية (القمح المروي والقطن)، يليها تربية الأغنام والأبقار، والذرة أخيراً.
أداة استراتيجية
وبيّنت الدكتورة انتصار الجباوي لصحيفتنا “الحرية” أن هذا التنوع الزراعي الذي يميّز كل محافظة هو ما جعل الخريطة الزراعية أداة استراتيجية، ليس فقط لفهم الواقع الزراعي بل أيضاً لتوجيه الاستثمار والبحث العلمي، مشيرةً إلى أنه وبعد التغيرات الكبيرة التي شهدها القطاع الزراعي، تتجدد الحاجة إلى تحديث هذه الخريطة الزراعية، لتكون أداة حديثة وموثوقة ترشد السياسات والبرامج المستقبلية، وتدعم المزارعين والباحثين ومتخذي القرار.
التحديث ضرورة
مع الإشارة إلى أن تحديث الخريطة الزراعية في سوريا له أهمية كبيرة جداً لأنه يلعب دوراً أساسياً في التخطيط الزراعي والتنمية المستدامة، ولعل أبرز النقاط التي توضح أهميته والتي تكمن في تحسين إدارة الموارد الزراعية، حيث يسمح بتحديد توزيع الأراضي الزراعية، وتحديد أنواع المحاصيل المزروعة، وحالة التربة، ما يساعد في تحسين استخدام الأرض، إضافة إلى دعم التخطيط الزراعي، الذي يوفر بيانات دقيقة لصانعي السياسات لتحديد احتياجات المناطق المختلفة من المياه، والأسمدة، والمساندة الفنية، إلى جانب تقييم الإنتاج الزراعي، الذي بدوره يساعد في تقدير إنتاج المحاصيل وتحديد المناطق التي تحتاج إلى تطوير أو دعم، فضلاً عن مراقبة التغيرات البيئية، والضرورة الحتمية في متابعة التغيرات في استخدام الأرض وتأثيراتها على البيئة والغطاء النباتي، كما تكمن أهمية التحديث في تعزيز الأمن الغذائي، من خلال تحسين تخطيط الإنتاج وتوزيع الموارد، ما يسهم في توفير الغذاء للسكان، كما أن التحديث يفسح المجال لاستخدام تقنيات حديثةـ مثل الأقمار الصناعية ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) ، وبالتالي توفير خرائط دقيقة ومحدثة بشكل مستمر، كما أن التحديث يساعد في مواجهة التحديات الناتجة عن التغيرات المناخية، النزاعات، والهجرة الداخلية التي أثرت على الزراعة في سوريا.