الحرية – علام العبد
تنتشر في جبل الزاوية بمحافظة إدلب أكثر من ألف مغارة طبيعية وأثرية، تُعد من أقدم مواطن الإنسان في منطقة حوض البحر المتوسط وتُظهِر أهمية تاريخية ومعمارية، رويت عنها حكايات وأساطير وخرافات لا يصدقها عقل، وهذه المغاور التي تختلف في أحجامها تشير إلى الأهمية التاريخية للمنطقة منذ العصور القديمة، بما في ذلك فترات ما قبل التاريخ، ونظراً لأهميتها، سجلت بعض المواقع الأثرية، بما في ذلك المغاور، في قائمة التراث للحفاظ عليها.
ولمعرفة المزيد عن مغاور جبل الزاوية يقول أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة حلب الدكتور مصطفى سماق ابن مدينة أريحا جارة جبل الزاوية ومعشوقته، أن الكتلة الجبلية الممتدة من جبل الأربعين في أريحا حتى آخر قرية من قرى جبل الزاوية من الجغرافيا السورية ، فهي غنية بالكهوف والمغاور، وقد استوطنها الإنسان البدائي الأول منذ ما قبل التاريخ فكانت مأوى له.
وأضاف سماق في تصريح لـ ” الحرية”: لقد جاءت تلك المغاور والكهوف على عدة أنواع تبعاً للوظيفة التي استخدمت لها، فمن هذه المغاور ما كان يستخدم تحصيناً عسكرياً مثل التي نراها في مغاور قرية معترم، التي تبعد عن مدينة أريحا حوالي 4 كم وقد انتشرت هذه المغاور على التلال الجبلية المحيطة بالقرية.
وتابع سماق قائلاً: تمتاز هذه المغاور بأقسامها المتعددة والمساحة الواسعة وفي باحتها الرئيسة نجد بئر ماء يستخدمها مَن بداخل تلك المغاور ؟ ويعود تاريخ هذه المغاور حسب التقديرات الأثرية إلى ما قبل الميلاد بعشرات السنين وهي لا تزال حتى الآن باقية بأجزائها الحجرية.
ولفت إلى أن بعض المغاور كانت معدة للرصد والمراقبة العسكرية كـ “حصن سرفوت” وهو مغارة استخدمها المقاتلون المسلمون مركزاً للرصد والإعداد أثناء الحروب الصليبية في القرن الخامس هجري، وهذه المغارة تقع شمال قرية شنان في محيط جبل الأربعين.
وأشار سماق إلى أنّ هناك مغاور استخدمها الإنسان القديم لتكون مدافن للعظماء والقادة من الرومان ثم البيزنطيين بعدهم كالتي نجدها على يمين الطريق الواصل من أريحا إلى جبل الأربعين والمعروفة بمدافن القنطرة سميت بذلك لارتفاعها عن الطريق، وقد ضمت هذه المدافن شخصيات حكومية من العهد البيزنطي أهمها مدفن المستشار البيزنطي ( الكسندر روس) والقائد العام 422 م ثم مدفن المهندس المعماري البيزنطي ( مالكوس بن ميتاندروس ) القائد العام 421 م كما نجد شرقي مدينة أريحا مدافن عائدة للقرن الرابع ميلادي للغاية نفسها.
و نوه بأن من المغاور والكهوف ما كان له دور اجتماعي ديني منذ العهد الروماني الوثني مروراً بالعهد البيزنطي وانتهاء بالعهد الاسلامي ، كالذي نجده في مغارة كهف الأربعين في قمة جبل الأربعين، حيث استخدم هذا الكهف ملجأ للنصارى هرباً من بطش وملاحقة السلطة الوثنية الرومانية في عهد الإمبراطور بول يانس الوثني، بينما في العهد الإسلامي فقد أخذ هذا الكهف دوراً مهماً حيث بات ملجأ للأولياء والصالحين هرباً من الدنيا ومكدراتها، وإلى خلوة صافية مع الله عز وجل ونجد في أحد زواياه سرداباً محفوراً بالصخر لا يعلم أين نهايته، وقد بني بجانبه مسجد اتصل فيه فيما بعد عرف بمسجد الكهف، وبنيت له مئذنة يعود تاريخها لعام 1385 هجرية بناها أحد العلماء في حلب.
ويشير سماق إلى المغاور ذات الدور الاجتماعي كـ “دير عصفورين” وهو مغارة تقع بالقرب من قرية كفرجوم ، وقد التجأ إليها أحد زعماء الإسماعيلية في القرن الخامس هجري خوفاً من ملاحقة القرامطة، وثمة مغارة تقع في سفح جبل الأربعين عرفت بمغارة الدرة سقفها يقطر ماء ، ويتداول حولها أسطورة وخرافة تقول، إن المرأة التي لا تلد إذا شربت منها تنجب.
تقع بعض مغاور جبل الزاوية في أماكن صخرية وعرة، يتطلب الوصول إليها مهارات خاصة، يقول المرشد السياحي مازن الأشقر: لقد استخدمت هذه المغاور في عصور ما قبل التاريخ كمساكن للإنسان القديم، وفي العصور اللاحقة كملاجئ للتعبد أو للاختباء، تُعد اليوم مقصداً سياحياً ورياضياً مهماً لمحبي المغامرة والرحلات الاستكشافية.
وأضاف في تصريح لـ” الحرية ” تكمن أهمية هذه المغاور في كونها “تحفاً فنية طبيعية” تم تشكيلها عبر ملايين السنين، ويجب الحفاظ عليها من العبث والاستثمار في السياحة البيئية منها.
وبيّن الاشقر أن اكتشاف واستكشاف هذه المغاور يتطلب مهارات خاصة وحذراً نظراً لخطورتها، ولاسيما أن بعضها يقع في مناطق يصعب الوصول إليها.
مشدداً على ضرورة استثمارها وتحسين بنيتها التحتية لتصبح مقصداً سياحياً آمناً، وحمايتها لضمان الحفاظ عليها من الانهيارات والتدمير.
يشار إلى أن مغاور جبل الزاوية غارقة في جمال الطبيعة حيث تربط بين سهول ومرتفعات تعانق الغيم تكون وعرة إلى حدِّ الدهشة والذهول وهي تحوي في طياتها البديع من المناظر الجميلة بين جريان المياه وكثافة الأشجار، حيث تتمتع منطقة جبل الزاوية بطقس معتدل يميل إلى البرودة في فصل الشتاء ومعتدل صيفاً ما أضفى عليها إقبال الكثير من السياح للاستمتاع بالأجواء الجميلة والتضاريس البديعة والغطاء النباتي المتنوع.