الحرية- إلهام عثمان:
لطالما رسمت شخصيات درامية مثل “أبو نجيب” في المسلسل السوري الشهير “زمن البرغوت” البسمة على وجوهنا، بتصويرها الكوميدي للبخل والحرص الزائد.
لكن خلف هذه الصورة الطريفة التي نراها على الشاشات، تختبئ حقيقة أكثر تعقيداً وألماً يعيشها البعض في واقعنا، حيث يتحول هذا السلوك إلى عبء نفسي واجتماعي ثقيل، يلقي بظلاله على العلاقات الأسرية ويهدد استقرارها.
فما هو الخط الفاصل بين الحكمة في إدارة المال والشح الذي يدمر العلاقات؟ وهل يمكن لشخصية ترسخ فيها البخل أن تتغير؟
حسون: البخل حالة نفسية من انعدام الثقة بالمستقبل أو ترتبط بمشاعر القلق والتوتر المزمنة
مقارنة جوهرية
للغوص في أعماق هذه الظاهرة، استعنا برأي أماني حسون رئيسة مكتب الإرشاد والدعم النفسي والكاتبة المتخصصة في التنمية البشرية والاستشارات النفسية والأسرية والتي كشفت من خلال حوار خاص مع “الحرية”، أن هناك فرقاً بين البخل والحرص.
فالبخل يعد سمة مرتبطة بالخوف الزائد من فقدان المال، وتشمل عدم الرغبة في إنفاقه حتى في الحالات الضرورية، لافتة إلى أن هذا الخوف ليس مجرد حرص، بل هو حالة نفسية أعمق قد تنبع من انعدام الثقة بالمستقبل أو ترتبط بمشاعر القلق والتوتر المزمنة.
أما الحرص ووفق رأي حسون فهو صفة إيجابية في جوهرها، تعني الحفاظ على الموارد دون مبالغة، وأن الشخص الحريص، يكون متأنياً في قراراته المالية لكنه لا يتردد في الإنفاق عند الحاجة.
وهنا يكمن جوهر الفارق: وهو أن الحرص لا يرتبط بالخوف، بل بفن الموازنة بين الرغبات والاحتياجات.
الرجل البخيل مادياً غالباً ما يكون بخيلاً في مشاعره وتقديره
عزلة اجتماعية
كما أشارت حسون إلى أن للبخل أبعاداً عديدة لا تقتصر على البعد الاقتصادي بل الاجتماعي مضيفة: اجتماعياً، يخلق البخل مسافة شاسعة بين صاحبه ومحيطه، فالشخص البخيل يجد صعوبة في بناء علاقات اجتماعية صحية، لأنه يدرك أنها تتطلب تعاوناً وتبادلاً لا يتماشى مع رغبته في التمسك بالمال، وعلى النقيض يُنظر إلى الحرص غالباً على أنه حكمة وتدبير، ورغم أنه قد يثير انزعاج البعض إذا زاد عن حده، فإنه لا يُعتبر صفة سلبية مدمرة للعلاقات.
بخل عاطفي
كما تبين حسون أن نفور النساء من الرجل البخيل يتجاوز المادة بكثير، فالمرأة بطبيعتها تبحث عن شريك يمتلك كفاءة عاطفية واجتماعية. وهنا، لا يظهر البخل في صورته المادية فقط، بل يمتد ليشمل البخل العاطفي، فالرجل البخيل مادياً غالباً ما يكون بخيلاً في مشاعره وتقديره، فلا يرى قيمة للوقت أو المجهود الذي تبذله شريكته في العلاقة.
هذا السلوك المرتبط بالأنانية يفقد المرأة شعورها بالأمان، ويجعل الرجل في نظرها شخصية غير جذابة وغير قادرة على العطاء.
التغيير… صعب
ولكن، هل يمكن للزواج أن يغير طبع الرجل البخيل؟ سؤال طرحته “الحرية” لتجيب حسون: التغيير ممكن في بعض الحالات، ولكنه ليس سهلاً أبداً، حيث كشفت الخبيرة بأنه دائماً ما يكون ناتجاً عن تجارب سلبية وخوف متجذر لذلك يصبح سمة ثابتة وهنا يغلب “الطبع التطبع”. لكن الأمل يكمن في الوعي الذاتي؛ فالشخص البخيل الذي يدرك مشكلته قد يكون قادراً على تعلم سلوكيات إيجابية جديدة إذاً التغيير ممكن لكن… بصعوبة.
أنواع البخل
من المثير للاهتمام أن للبخل أنواعاً مختلفة؛ فهناك من يبخل على نفسه وأسرته، وهناك من هو كريم مع أسرته لكنه بخيل على محيطه الخارجي.
وهنا تفسر حسون ذلك، بأن الحالة الثانية قد تنبع من رغبة قوية في حماية العائلة وتأمين مستقبلها كأولوية مطلقة، مع انعدام الثقة في الآخرين خارج هذه الدائرة، أما البخل العام والشامل، فغالباً ما يكون مرتبطاً بخوف مرضي ومستمر من المستقبل.
الحرص لا يرتبط بالخوف.. بل بفن الموازنة بين الرغبات والاحتياجات
نصائح للتكيف
وفي حال وجدت امرأة نفسها متزوجة برجل بخيل، تقدم حسون مجموعة من النصائح التي قد تساعد على التكيف وإحداث التغيير بغية الحفاظ على الأسرة وهي:
– الحوار الصريح كالتحدث بصراحة بين الزوجين حول التأثيرات السلبية لهذا السلوك على العلاقة والأسرة.
– محاولة الفهم: والسعي لفهم الدوافع النفسية للزوج، دون إصدار أحكام متسرعة.
– الميزانية المشتركة: محاولة وضع خطة مالية واضحة بالاتفاق المتبادل لتنظيم الإنفاق الصبر والمرونة: تفهم الزوجة لحالة الزوج وإدراك أن التغيير يحتاج إلى وقت وصبر وخطوات تدريجية واللجوء إلى استشاري أسري للمساعدة في وضع خطة علاج سلوكي معرفي، وفهم الدوافع النفسية العميقة وراء هذا الطبع.
في نهاية المطاف يبقى السؤال الأهم مطروحاً: في مجتمع يواجه تحديات اقتصادية متزايدة، كيف يمكننا أن نربي أجيالاً تدرك قيمة الادخار والحكمة المالية دون أن تسقط في فخ البخل الذي يجمد المشاعر ويهدم العلاقات؟