الحرية- ميسون شباني:
من دوبلاج الكرتون إلى خشبات المسرح وأعمال الدراما التاريخية، ظلّ الفنان يوسف المقبل جزءاً أصيلاً من التجربة السورية الفنية، شاهداً على تحوّلاتها ومنعطفاتها.. وفي حديث نقدي صريح لـ “الحرية”، يفتح المقبل ملفات الدوبلاج والمسرح والدراما، كاشفاً عن أزمات صنعتها الحرب والاقتصاد والاستسهال الفني.
الدوبلاج من الحميمية إلى «الشانلات»
يروي الفنان يوسف المقبل بدايات الدوبلاج في سوريا عبر مركز الزهرة، حين كانت الأعمال المدبلجة، ولاسيما الكرتون التعليمي والترفيهي، تُقدّم بالفصحى لتغذية ثقافة الطفل وتعزيز لغته. ويقول: «من ينسى الكابتن ماجد، داي الشجاع، صراع الجبابرة، لحن الحياة، وريمي؟ كانت العائلة كلها تجتمع لمشاهدتها، والسر كان في الأداء الصادق للفنان السوري الذي عاش الحالة وبث فيها مشاعره».
لكن هذه الروح، برأيه، تلاشت مع اعتماد تقنية التسجيل المنفرد عبر نظام «الشانلات»، حيث يسجل كل ممثل صوته منفصلاً عن زملائه، ليتم لاحقاً جمع الأصوات بالمكساج، ما أفقد الدوبلاج دفئه وحميميته.
غياب الجدية في الدراما التلفزيونية
المقبل يرى أنّ المشكلة لا تقتصر على الدوبلاج، بل تمتد إلى الدراما نفسها. في الماضي كان الممثلون يلتقون على “بروفة الطاولة” ليقرؤوا النص كاملاً، ويفهموا ترابط الشخصيات. أما اليوم، فقد أصبح الكثير من الممثلين يكتفون بقراءة مشاهدهم فقط، بل يتعرف بعضهم على أسماء الشخصيات في موقع التصوير!
ويضيف بأسى: «خلال 14 عاماً من الحرب، استُبيحت المهنة. نرى ممثلين بلا خلفية أو تدريب، فيما خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية غائبون عن الساحة. صار كل من يرغب في التمثيل يقتحم المجال، حتى من بين الفنيين، من الإضاءة إلى الملابس والديكور، تحولوا فجأة إلى مخرجين».
ويستذكر أسماء كبار المخرجين السوريين الذين شكّلوا علامة فارقة مثل حاتم علي، هيثم حقي، علاء الدين كوكش، وغسان جبري، ليقارن بينهم وبين جيل جديد من المخرجين “المرغمين” على العمل فقط لكسب لقمة العيش.
المسرح.. بين التهميش والتفرد السوري
عن تجربته المسرحية، يقول المقبل إن آخر عروضه كان تصحيح ألوان، لكنه يعترف أن هجرة المسرح سببها بالأساس الوضع الاقتصادي، إذ لا تغطي أجور العروض تكاليف النقل، بينما يوازي أجر يوم تصوير واحد أجر ثلاثة أشهر من العمل المسرحي.
ويستعيد بفخر فترة الثمانينيات والتسعينيات حين كان للمسرح السوري موسم مزدحم وحضور عربي قوي، مؤكداً أن:”سوريا بلد متقدم مسرحياً، لا يشارك في مهرجان إلّا ويعود بجائزة، حتى في سنوات الحرب الأولى، حين حاولوا حصار المسرحيين السوريين، اكتشفوا أن أي مهرجان عربي بلا المسرح السوري هو مهرجان ناقص”.
الدراما السورية.. مستقبل غامض
أما عن مستقبل الدراما، فيرى المقبل أن هناك تصريحات مبشّرة من السلطة الجديدة حول تبني الثقافة، لكن ذلك لم يمنع تعبيره عن القلق من الشرخ بين الخطاب والممارسة، ويتأسف على الأجيال الجديدة التي لم تعش زمن مهرجان دمشق المسرحي، حين كانت سوريا قبلة لمسرحيين العرب.
ويشير إلى أن الخليج، خاصة الإمارات، بات يستقطب الفنانين السوريين تقديراً لمكانتهم، بينما يظل المسرح السوري متميزاً بلغة راقية خالية من البذاءة وثقافة “التريند”، قائلاً:
“المسرح عندنا مختلف، هو لغة حوار حقيقية، لذلك حورب من الأنظمة لأنه مساحة حرة تعكس حرارة الشارع، وهذا ما يخيفهم”.