الحرية- رشا عيسى:
شهدت سوريا تحولاً سريعاً نحو جذب الاستثمارات منذ بداية التحرير في الثامن من كانون الأول الفائت وحتى الآن، ونجحت الجهود السورية في جذب الاستثمارات وإثارة الاهتمام وخاصة الإقليمي.
تحول سريع
ويوضح الخبير في السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والإدارية الدكتور هشام خياط لـ”الحرية” أن سوريا شهدت منذ سقوط النظام السابق تحولاً انتقالياً سريعاً نحو جذب الاستثمارات، مدفوعاً بسقوط النظام البائد، لكن النجاح يظل محدوداً ومشروطاً بتحديات هيكلية مثل الاستقرار الأمني والحوكمة.
ويرى خياط أن الخطوات الأولية نجحت جزئياً في إثارة اهتمام إقليمي، خاصة من دول الخليج، ما أدى إلى توقيع اتفاقيات بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار في مشاريع كبرى مثل مطار دمشق (4 مليارات دولار مع قطر) ومترو العاصمة (2 مليار دولار مع الإمارات)، بالإضافة إلى 6.4 مليارات دولار سعودية في تموز 2025 للبنية التحتية والطاقة.
تعزيز الثقة
وهذه الاتفاقيات ليست مجرد تعهدات، بل خطوات عملية تعزز الثقة الأولية، حيث ارتفعت التجارة مع تركيا بنسبة 54% في الأشهر الأولى من 2025، ما يشير إلى ديناميكية سوقية مبكرة، لكن النمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 1% فقط في 2025 يعكس عدم القدرة على تحويل هذه الاستثمارات إلى نمو مستدام بسبب نقص التمويل الإنساني (مثل انخفاض التبرعات الدولية إلى 71 مليون دولار مقابل 575 مليوناً مطلوبة).
كما أوضح الخبير الاقتصادي أن رأس المال المقيم يلعب دوراً ثانوياً حالياً بسبب ضعف القطاع الخاص المحلي، لكنه يمكن أن يتوسع عبر إصلاحات مثل تحديث قانون البنوك الاستثمارية لجذب رؤوس أموال داخلية، ما يعزز الاستقرار النقدي ويقلل الاعتماد على الخارج.
أما رأس المال المهاجر (الشتات)، فيُعد مصدراً حاسماً حيث عاد نحو مليون لاجئ (8-13% من المسجلين)، مدعومين بحوالات تصل إلى 1-2 مليار دولار سنوياً، والتي يمكن توجيهها نحو مشاريع صغيرة في الزراعة والتجارة لتعزيز التماسك الاجتماعي، وتقليل الفقر الذي يصيب 90% من السكان، تزيد هذه العودة الضغط على إعادة الإعمار، لكنها تخلق فرصاً للاستثمار في الخدمات الأساسية، شريطة تسهيل نقل الأموال عبر رفع جزئي للعقوبات كما يشير خياط.
المحفّز المفقود
بالنسبة للمليارديرات والسنتي مليونيرات السوريين، ويمثلون الوسطاء النشطين “الكاتاليزاتور” المفقود أي (المحفز)، هؤلاء يمكن أن يجذبوا استثمارات أجنبية إضافية بفضل شبكاتهم، لكن دورهم يعتمد على ضمانات قانونية للملكية ومكافحة الفساد، حيث يخشون تكرار نماذج فساد كانت موجودة سابقاً.
وشملت أبرز المناسبات والفعاليات الخاصة لتشجيع الاستثمار، منتدى الاستثمار السعودي- السوري (أكثر من 130 شركة سعودية)، الذي أدى إلى اتفاقيات لتبادل تجاري ودراسات لسوق أوراق مالية في دمشق، ما عزز الاندماج الإقليمي وقلل الاعتماد على إيران.
كذلك رفع أميركي جزئي للعقوبات في أيار 2025 سمح بعودة سوريا إلى نظام SWIFT، وسهل تدفق الحوالات وجذب الشتات، لكنه لم يغطِ كل القطاعات، ما أبطأ الإنفاق على إعادة الإعمار.
أثر قصير الأمد
ويعد أثر هذه المناسبات إيجابياً قصير الأمد في تعزيز الثقة (عودة 1.6 مليون نازح داخلي)، لكنها تفتقر إلى الشمولية، حيث تركز على مشاريع عملاقة (مثل ميناء طرطوس بـ800 مليون دولار مع الإمارات) قد تزيد التكاليف على المستهلكين في قطاعات احتكارية مثل المرافق العامة، ما يعيق الاستدامة إذا لم يُدمج الاستثمار الوطني.
توازن يعزز الاستثمار
ويتطلب النجاح الحقيقي توازناً يعزز الاستثمارات الخليجية بمشاركة الثراء السوري لتجنب التبعية، مع إصلاحات حوكمة لضمان توزيع عادل (مثل مشاركة المجتمعات في إعادة الإعمار)، ورفع تدريجي للعقوبات مقابل ضمانات أمنية. بدون ذلك، قد تتحول الفرص إلى مخاطر، كما في حالات إعادة الإعمار السابقة حيث أدت الاستثمارات الأجنبية إلى ارتفاع التكاليف من دون فوائد محلية.
صناديق وطنية
وأوصى خياط بإنشاء صناديق وطنية مشتركة بقيادة الشتات لتوجيه 20-30% من الاستثمارات نحو القطاعات الصغيرة، ما يعزز النمو إلى 5-7% سنوياً إذا تحقق الاستقرار.