ترامب بوصفه مُخرباً استراتيجياً.. تراجع خطوة إلى الوراء لتستطيع فهمه؟!

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية:

ليس عليك بالضرورة أن تحب ترامب، وليس مطلوباً أن تحبه، وتستطيع مهاجمته ليل نهار، لكنك بالمقابل لا تستطيع إلا الاعتراف بأنه يجيب لعبة التشويش، التشتيت، الاستقطاب، والهيمنة.

لا يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمن الإطار السياسي المعتاد، ومحاولة وضعه ضمن التوقعات التقليدية هي محاولة خاطئة تماماً، لذلك لا تحاول، لأنك ستفشل بالتأكيد فهذه «الخلطة السرية لشخصية ترامب تحير أشد منتقديه» وفق ما عنونت صحيفة «فوكس نيوز» الأميركية في عددها اليوم بقلم الكاتب لي كارتر.

تقول الصحيفة الأميركية: تكمن قوة ترامب في امتلاك زمام الأمور، والتحكم في فوضى السرد، وإثارة الأمور بطرق لا يستطيعها، أو يجرؤ عليها أحد غيره. فقد تبدو أفعاله متهورة أو سخيفة لبعض المراقبين، لكنها غالباً ما تكون استراتيجية، مصممة لجذب الانتباه وتحديد الأجندة وجعل جميع من حوله يتفاعلون معه.

لنتأمل أحداث الأيام القليلة الماضية؛ حيث استحوذ ترامب مجدداً على الأضواء الرقمية، ناشراً صوراً تم تصميمها بالذكاء الاصطناعي لنفسه على هيئة البابا وشخصية من «حرب النجوم» ومفكّراً في إعادة فتح سجن «ألكاتراز» ومتردداً بشأن الرسوم الجمركية، بل ومشكّك في التزامه بالدستور.

وكما كان متوقعاً، تفاعل العالم، بعضهم بالإعجاب، وبعضهم الآخر بالسخط. وأشاد به مؤيدوه باعتباره مُخرباً جريئاً للوضع الراهن، بينما وصفه منتقدوه بالخطير، بل وبالمنافق.

لكن هنا تكمن النقطة الجوهرية، وفق «فوكس نيوز» فإذا أخذت كل لحظة من لحظات ترامب على محمل الجد، فأنت تًغفل المغزى. ولفهم ترامب حقاً، عليك أن تتراجع قليلاً، ليس فقط عن العناوين الرئيسية، بل عن دافع تفسير كل كلمة أو منشور أو اقتراح حرفياً.

وتضيف: نهج ترامب ليس مباشراً، بل مسرحي وبلاغي واستراتيجي. وتحليل تصريحاته أشبه بتفسير النصوص الدينية؛ إذ يرى بعض الناس أن كلماته مسلّمات، بينما يجدها آخرون رمزية أو إرشاداً أو استعارة.

وتتابع: إذا تعاملت مع كلمات ترامب على أنها تصريحات سياسية ثابتة، فستجد نفسك في حالة من الفوضى. أما إذا نظرت إليها كجزء من استراتيجية أوسع، لجذب الانتباه، وتوجيه الحوار، وتأطير المفاوضات، فستبدأ بتمييز المنهج وسط هذا الجنون.

وتوضح فوكس نيوز بالأمثلة فتقول: لنأخذ التعريفات الجمركية كمثال: هل هي سياسة اقتصادية، أم تكتيك ضغط؟.. أزعم أنها الخيار الثاني وهو وسيلة لتحريك الأسواق، وإظهار الصلابة، وإعادة ضبط التوقعات. أو خذ تأملاته حول الترشح في عام 2028، هل هي حملة انتخابية فعلية، أم إنه يشكل الخطاب حول القيادة والخلافة والإرث؟

وترى فوكس نيوز أن قوة ترامب الحقيقية ليست في دقة خططه، بل في قدرته على التحكم في أجندته. فهو يُحدث ضجيجاً لا للتشتيت، بل للهيمنة، ولا ينتظر حتى ينضم إلى الحوار لأنه محور هذا الحوار. وبذلك، يجبر جميع من حوله على التفاعل وفقاً لشروطه.
إذاً، ما الذي ينبغي على ترامب فعله خلال المئتي يوم القادمة؟

تقول فوكس نيوز: الجواب بسيط وهو الاستمرار في ما يفعله. فكلما تحدى التقاليد يستطيع أن يعزز مكانته كشخصية ثورية تناضل من أجل «المواطن العادي». وتفاصيل السياسة لا تهم بالضرورة بقدر أهمية الرسالة التي يبثها بأنه يحدث تغييراً جذرياً في المؤسسة الحاكمة ويحارب نظاماً غير عادل.

إن النجاح بالنسبة لترامب لا يكمن في إقرار مشاريع قوانين محددة؛ بل في امتلاك زمام المبادرة وإثبات أنه الوحيد المستعد لإثارة الجدل لتحقيق نتائج. وإذا استطاع مواصلة هذه الاستراتيجية؛ سواء كانت امتلاك زمام المبادرة، أو إظهار أنه يناضل من أجل المواطن العادي، أوعدم تعقيد الأمور، فسيظل ذا أهمية.

في الحقيقة.. إن تفسيرك لأفعال ترامب يكشف عنك أكثر مما يكشف عنه. وإذا رأيته مصدر تهديد، فإن كل تصريح يصبح تهديداً. أما إذا رأيته صاحب رؤية، فإن كل تصريح يشير إلى تغيير جريء. وإذا رأيته مفاوضاً، فإن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته أمر منطقي تماماً.

وتختم فوكس نيوز: ليس بالضرورة أن تحب ترامب لفهمه، لكن تجاهل آليات تشكيله للحوار العام يغفل أهم جزء في القصة. وهو لا يترشح لمنصب فحسب، بل يدير الحوار. وفي جوهر الأمر، على ترامب أن يواصل ما يجيده: التشويش، والتشتيت، والهيمنة. أما الباقي فهو مجرد ضجيج.

Leave a Comment
آخر الأخبار